مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٣٦٥
المسألة الحادية عشرة :«ماذا» فيه وجهان أن يكون ذا اسماً موصولًا بمعنى الذي فيكون كلمتين وأن يكون ذا مركبة مع ما مجعولين اسماً واحداً فيكون كلمة واحدة فهو على الوجهين : الأول : مرفوع المحل على الابتداء وخبره ذا مع صلته، وعلى الثاني : منصوب المحل في حكم ما وحده كما لو قلت ما أراد اللّه.
المسألة الثانية عشرة : الإرادة ماهية يجدها العاقل من نفسه ويدرك التفرقة البديهية بينها وبين علمه وقدرته وألمه ولذته. وإذا كان الأمر كذلك لم يكن تصور ماهيتها محتاجاً إلى التعريف، وقال المتكلمون إنها صفة تقتضي رجحان أحد طرفي الجائز على الآخر لا في الوقوع بل في الإيقاع، واحترزنا بهذا القيد الأخير عن القدرة، واختلفوا في كونه تعالى مريداً مع اتفاق المسلمين على إطلاق هذا اللفظ على اللّه تعالى فقال النجارية إنه معنى سلبي ومعناه أنه غير مغلوب ولا مستكره، ومنهم من قال إنه أمر ثبوتي وهؤلاء اختلفوا فقال الجاحظ والكعبي وأبو الحسن البصري : معناه علمه تعالى باشتماله الفعل على المصلحة أو المفسدة، ويسمون هذا العلم بالداعي أو الصارف، وقال أصحابنا وأبو علي وأبو هاشم وأتباعهما إنه صفة زائدة على العلم ثم القسمة في تلك الصفة إما أن تكون ذاتية وهو القول الثاني للنجارية، وإما أن تكون معنوية، وذلك المعنى إما أن يكون قديماً وهو قول الأشعرية أو محدثاً وذلك المحدث إما أن يكون قائماً باللّه تعالى، وهو قول الكرامية، أو قائماً بجسم آخر وهذا القول لم يقل به أحد، أو يكون موجوداً لا في محل، وهو قول أبي علي وأبي هاشم وأتباعهما.
المسألة الثالثة عشرة : الضمير في «أنه الحق» للمثل أو لأن يضرب، وفي قولهم ماذا أراد اللّه بهذا استحقار كما قالت عائشة رضي اللّه عنها في عبد اللّه بن عمرو بن العاص : يا عجبا لابن عمرو هذا.
المسألة الرابعة عشرة :«مثلًا» نصب على التمييز كقولك لمن أجاب بجواب غث ماذا أراد بهذا جواباً؟
ولمن حمل سلاحاً رديئاً كيف تنتفع بهذا سلاحاً؟ أو على الحال كقوله : هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً [الأعراف : ٧٣].
المسألة الخامسة عشرة :[بحث في الهداية والإضلال وما المراد من إضلال الله وهداية الله تعالى ] اعلم أن اللّه سبحانه وتعالى لما حكى عنهم كفرهم واستحقارهم كلام اللّه بقوله :
ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا أجاب عنه بقوله : يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ونريد أن نتكلم هاهنا في الهداية والإضلال ليكون هذا الموضع كالأصل الذي يرجع إليه في كل ما يجيء في هذا المعنى من الآيات فنتكلم أولًا في الإضلال فنقول : إن الهمزة تارة تجيء لنقل الفعل من غير المتعدي إلى المتعدي كقولك خرج فإنه غير متعد، فإذا قلت أخرج فقد جعلته متعدياً وقد تجيء لنقل الفعل من المتعدي إلى غير المتعدي كقولك كببته فأكب، وقد تجيء لمجرد الوجدان. حكي عن عمرو بن معديكرب أنه قال لنبي سليم : قاتلناكم فما أجبناكم، وهاجيناكم فما أفحمناكم، وسألناكم فما أبخلناكم. أي فما وجدناكم جبناء ولا مفحمين ولا بخلاء. ويقال أتيت أرض فلان فأعمرتها أي وجدتها عامرة قال المخبل :
تمنى حصين أن يسود خزاعة فأمسى حصين قد أذل وأقهرا
أي وجد ذليلًا مقهوراً، ولقائل أن يقول لم لا يجوز أن يقال الهمزة لا تفيد إلا نقل الفعل / من غير المتعدي إلى المتعدي فأما قوله : كببته فأكب، فلعل المراد كببته فأكب نفسه على وجهه فيكون قد ذكر الفعل مع حذف المفعولين وهذا ليس بعزيز. وأما قوله. قاتلناكم فما أجبناكم، فالمراد ما أثر قتالنا في صيرورتكم جبناء.
وما أثر هجاؤنا لكم في صيرورتكم مفحمين، وكذا القول في البواقي، وهذا القول الذي قلناه أولى دفعاً


الصفحة التالية
Icon