مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٣٨٦
آناء الليل والنهار ولا يسأمون، لا يحصي أجناسهم ولا مدة أعمارهم ولا كيفية عبادتهم إلا اللّه تعالى،
وهذا تحقيق حقيقة ملكوته جل جلاله على ما قال : وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر : ٣١] وأقول رأيت
في بعض كتب التذكير أنه عليه الصلاة والسلام حين عرج به رأى ملائكة في موضع بمنزلة سوق بعضهم يمشي تجاه بعض فسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أيهم إلى أين يذهبون. فقال جبريل عليه السلام. لا أدري إلا أني أراهم مذ خلقت ولا أرى واحداً منهم قد رأيته قبل ذلك ثم سألوا واحداً منهم وقيل له مذ كم خلقت؟ فقال لا أدري غير أن اللّه تعالى يخلق كوكباً في كل أربعمائة ألف سنة فخلق مثل ذلك الكوكب منذ خلقني أربعمائة ألف مرة، فسبحانه من إله ما أعظم قدرته وما أجل كماله.
واعلم أن اللّه سبحانه وتعالى ذكر في القرآن أصنافهم وأوصافهم، أما الأصناف. فأحدها : حملة العرش وهو قوله : وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ [الحاقة : ١٧]، وثانيها : الحافون حول العرش على ما قال سبحانه : وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [الزمر : ٧٥] وثالثها : أكابر الملائكة فمنهم جبريل وميكائيل صلوات اللّه عليهما لقوله تعالى : مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ [البقرة : ٩٨] ثم إنه سبحانه وتعالى وصف جبريل عليه السلام بأمور الأول : أنه صاحب الوحي إلى الأنبياء قال تعالى : نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ [الشعراء : ١٩٣، ١٩٤] الثاني : أنه تعالى ذكره قبل سائر الملائكة في القرآن قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ [البقرة : ٩٧] ولأن جبريل صاحب الوحي والعلم، وميكائيل صاحب الأرزاق والأغذية، والعلم الذي هو الغذاء الروحاني أشرف من الغذاء الجسماني فوجب أن يكون جبريل عليه السلام أشرف من ميكائيل الثالث : أنه تعالى جعله ثاني نفسه فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ [التحريم : ٤].
الرابع : سماه روح القدس قال في حق عيسى عليه السلام : إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ [المائدة : ١١٠] الخامس : ينصر أولياء اللّه ويقهر أعداءه مع ألف من الملائكة مسومين، السادس : أنه تعالى مدحه بصفات ست في قوله : إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير : ١٩- ٢٠] فرسالته أنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى جميع الأنبياء، فجميع الأنبياء والرسل أمته وكرمه على ربه أنه جعله واسطة بينه وبين أشرف عباده وهم الأنبياء، وقوته أنه رفع مدائن قوم لوط إلى السماء وقلبها، ومكانته عند اللّه أنه / جعله ثاني نفسه في قوله تعالى : فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وكونه مطاعاً أنه إمام الملائكة ومقتداهم، وأما كونه أميناً فهو قوله : نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشعراء : ١٩٣] ومن جملة أكابر الملائكة إسرافيل وعزرائيل صلوات اللّه عليهما وقد ثبت وجودهما بالأخبار وثبت بالخبر أن عزرائيل هو ملك الموت على ما قال تعالى : قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ [السجدة : ١١] وأما قوله : حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا [الأنعام : ٦١] فذلك يدل على وجود ملائكة موكلين بقبض الأرواح ويجوز أن يكون ملك الموت رئيس جماعة وكلوا على قبض الأرواح قال تعالى : وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ [الأنفال : ٥٠]. وأما إسرافيل عليه السلام فقد دلت الأخبار على أنه صاحب الصور على ما قال تعالى : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر : ٦٨].
ورابعها : ملائكة الجنة قال تعالى : وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد : ٢٣، ٢٤]. وخامسها : ملائكة النار قال تعالى : عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر : ٣٠] وقوله تعالى : وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً [المدثر : ٣١] ورئيسهم مالك، وهو قوله


الصفحة التالية
Icon