مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٣٩٠
كانوا كاذبين فيما قالوه أولًا. وسادسها : أن قوله : أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة : ٣٣] يدل على / أن الملائكة ما كانوا عالمين بذلك قبل هذه الواقعة وأنهم كانوا شاكين في كون اللّه تعالى عالماً بكل المعلومات، وسابعها : أن علمهم يفسدون ويسفكون الدماء، إما أن يكون قد حصل بالوحي إليهم في ذلك أو قالوه استنباطاً والأول بعيد لأنه إذا أوحى اللّه تعالى ذلك إليهم لم يكن لإعادة ذلك الكلام فائدة فثبت أنهم قالوه عن الاستنباط والظن والقدح في الغير على سبيل الظن غير جائز لقوله تعالى : وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء : ٣٦] وقال : إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً [يونس : ٣٦] وثامنها : روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه قال : إن اللّه سبحانه وتعالى قال للملائكة الذين كانوا جند إبليس في محاربة الجن إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فقالت الملائكة مجيبين له سبحانه : أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ثم علموا غضب اللّه عليهم : ف قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا وروي عن الجن وقتادة أن اللّه تعالى لما أخذ في خلق آدم همست الملائكة فيما بينهم وقالوا ليخلق ربنا ما شاء أن يخلق فلن يخلق خلقاً إلا كنا أعظم منه وأكرم عليه فلما خلق آدم عليه السلام وفضله عليهم وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [البقرة : ٣١] في أني لا أخلق خلقاً إلا وأنتم أفضل منه ففزع القوم عند ذلك إلى التوبة وقالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا وفي بعض الروايات أنهم لما قالوا أتجعل فيها، أرسل اللّه عليهم ناراً فأحرقتهم.
الشبهة الثانية : تمسكوا بقصة هاروت وماروت وزعموا أنهما كانا ملكين من الملائكة وأنهما لما نظرا إلى ما يصنع أهل الأرض من المعاصي أنكرا ذلك وأكبراه ودعوا على أهل الأرض فأوحى اللّه تعالى إليهما إني لو ابتليتكما بما ابتليت به بني آدم من الشهوات لعصيتماني فقالا يا رب لو ابتليتنا لم نفعل فجربنا فأهبطهما إلى الأرض وابتلاهما اللّه بشهوات بني آدم فمكثا في الأرض وأمر اللّه الكوكب المسمى بالزهرة والملك الموكل به فهبطا إلى الأرض فجعل الزهرة في صورة امرأة صورة امرأة والملك في صورة رجل ثم إن الزهرة اتخذت منزلًا وزينت نفسها ودعتهما إلى نفسها ونصف الملك نفسه في منزلها في مثال صنم فأقبلا إلى منزلها ودعواها إلى الفاحشة فأبت عليهما إلا أن يشربا خمراً فقالا لا نشرب الخمر ثم غلبت الشهوة عليهما فشربا ثم دعواها إلى ذلك فقالت بقيت خصلة لست أمكنكما من نفسي حتى تفعلاها قالا وما هي؟ قالت : تسجدان لهم الصنم، فقالا : لا نشرك باللّه، ثم غلبت الشهوة عليهما فقالا : نفعل ثم نستغفر فسجدا للصنم فارتفعت الزهرة وملكها إلى موضعهما من السماء فعرفا حينئذ أنه إنما أصابهما ذلك بسبب تعيير بني آدم وفي رواية أخرى أن الزهرة كانت فاجرة من أهل الأرض وإنما واقعاها بعد أن شربا الخمر وقتلا النفس وسجدا للصنم وعلماها الاسم الأعظم الذي كانا به يعرجان إلى السماء فتكلمت المرأة بذلك الاسم وعرجت إلى السماء فمسخها اللّه تعالى وصيرها هذا الكوكب المسمى بالزهرة ثم إن اللّه تعالى عرفت هاروت وماروت قبيح ما فيه وقعا ثم خيرهما بين عذاب الآخرة آجلًا وبين عذاب الدنيا عاجلًا فاختارا عذاب الدنيا فجعلهما ببابل منكوسين في بئر إلى / يوم القيامة وهما يعلمان الناس السحر ويدعوان إليه ولا يراهما أحد إلا من ذهب إلى ذلك الموضع لتعلم السحر خاصة وتعلقوا في ذلك بقوله تعالى : وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ
سُلَيْمانَ [البقرة : ١٠٢]
الشبهة الثالثة : أن إبليس كان من الملائكة المقربين ثم إنه عصى اللّه تعالى وكفر وذلك يدل على صدور المعصية من جنس الملائكة. الشبهة الرابعة : قوله تعالى : وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً [المدثر : ٣١] قالوا :
فدل هذا على أن الملائكة يعذبون لأن أصحاب النار لا يكونون إلا ممن يعذب فيها كما قال : أُولئِكَ أَصْحابُ