مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٣٩٨
وإلا فلا، أما العلم بحقائق الأشياء، فالعقل متمكن من تحصيله فصح وقوع التحدي فيه. القول الثاني : وهو المشهور أن المراد أسماء كل ما خلق اللّه من أجناس المحدثات من جميع اللغات المختلفة التي يتكلم بها ولد آدم اليوم من العربية والفارسية والرومية وغيرها، وكان ولد آدم عليه السلام يتكلمون بهذه اللغات فلما مات آدم وتفرق ولده في نواحي العالم تكلم كل واحد منهم بلغة معينة من تلك اللغات، فغلب عليه ذلك اللسان، فلما طالت المدة ومات منهم قرن بعد قرن نسوا سائر اللغات، فهذا هو السبب في تغير الألسنة في ولد آدم عليه السلام. قال أهل المعاني : قوله تعالى : وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ لا بد فيه من إضمار، فيحتمل أن يكون المراد وعلم آدم أسماء المسميات، ويحتمل أن يكون المراد وعلم آدم مسميات الأسماء، قالوا لكان الأول أولى لقوله :
أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ وقوله تعالى : فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ ولم يقل أنبئوني بهؤلاء وأنبأهم بهم، فإن قيل : فلما علمه اللّه تعالى أنواع جميع المسميات، وكان في المسميات ما لا يكون عاقلًا، فلم قال عرضهم ولم يقل عرضها؟ قلنا لأنه لما / كان في جملتها الملائكة والإنس والجن وهم العقلاء، فغلب الأكمل، لأنه جرت عادة العرب بتغليب الكامل على الناقص كلما غلبوا.
المسألة الثالثة : من الناس من تمسك بقوله تعالى : أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ على جواز تكليف ما لا يطاق وهو ضعيف، لأنه تعالى إنما استنبأهم مع علمه تعالى بعجزهم على سبيل التبكيت ويدل على ذلك قوله تعالى : إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
المسألة الرابعة : قالت المعتزلة : إن ما ظهر من آدم عليه السلام من علمه بالأسماء معجزة دالة على نبوته عليه السلام في ذلك الوقت، والأقرب أنه كان مبعوثاً إلى حواء ولا يبعد أيضاً أن يكون مبعوثاً إلى من توجه التحدي إليهم من الملائكة لأن جميعهم وإن كانوا رسلًا فقد يجوز الإرسال إلى الرسول كبعثة إبراهيم عليه السلام إلى لوط عليه السلام واحتجوا عليه بأن حصول ذلك العلم له ناقض للعادة فوجب أن يكون معجزاً، وإذا ثبت كونه معجزاً ثبت كونه رسولًا في ذلك الوقت، ولقائل أن يقول لا نسلم أن ذلك العلم ناقض للعادة لأن حصول العلم باللغة لمن علمه اللّه تعالى وعدم حصوله لمن لم يعلمه اللّه ليس بناقض للعادة. وأيضاً فأما أن يقال : الملائكة علموا كون تلك الأسماء موضوعة لتلك المسميات أو ما علموا ذلك فإن علموا ذلك فقد قدروا على أن يذكروا أسماء تلك المسميات فحينئذ تحصل المعارضة ولا تظهر المزية والفضيلة، وإن لم يعلموا ذلك فكيف عرفوا أن آدم عليه السلام أصاب فيما ذكر من كون كل واحد من تلك الألفاظ اسماً لكل واحد من تلك المسميات، واعلم أنه يمكن دفع هذا السؤال من وجهين : الأول : ربما كان لكل صنف من أصناف الملائكة لغة من هذه اللغات. وكان كل صنف جاهلًا بلغة الصنف الآخر ثم إن جميع أصناف الملائكة حضروا وأن آدم عليه السلام عد عليهم جميع تلك اللغات بأسرها فعرف كل صنف إصابته في تلك اللغة خاصة فعرفوا بهذا الطريق صدقه إلا أنهم بأسرهم عجزوا عن معرفة تلك اللغات بأسرها فكان ذلك معجزاً.
الثاني : لا يمتنع أن يقال إنه تعالى عرفهم قبل أن سمعوا من آدم عليه السلام تلك الأسماء ما استدلوا به على صدق آدم فلما سمعوا منه عليه السلام تلك الأسماء عرفوا صدقه فيها فعرفوا كونه معجزاً، سلمنا أنه ظهر عليه فعل خارق للعادة فلم لا يجوز أن يكون ذلك من باب الكرامات أو من باب الإرهاص وهما عندنا جائزاً وحينئذ يصير الكلام في هذه المسألة فرعاً على الكلام فيهما واحتج من قطع بأنه عليه السلام ما كان نبياً في ذلك الوقت بوجوه : أحدها : أنه لو كان


الصفحة التالية
Icon