مفاتيح الغيب، ج ٢٠، ص : ٣٢٤
المسألة الثانية : قرأ الأكثرون : إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما وعلى هذا التقدير فقوله :
يَبْلُغَنَّ فعل وفاعله هو قوله : أَحَدُهُما وقوله : أَوْ كِلاهُما عطف عليه كقولك : ضرب زيد أو عمرو :
ولو أسند قوله : يَبْلُغَنَّ إلى قوله : كِلاهُما جاز لتقدم الفعل، تقول قال رجل، وقال رجلان، وقالت الرجال، وقرأ حمزة والكسائي : يبلغان وعلى هذه القراءة فقوله : أَحَدُهُما بدل من ألف الضمير الراجع إلى الوالدين وكِلاهُما عطف على أَحَدُهُما فاعلا أو بدلا.
فإن قيل : لو قيل (إما يبلغان كلاهما) كان (كلاهما) توكيدا لا بدلا، فلم زعمتم أنه بدل؟
قلنا : لأنه معطوف على ما لا يصح أن يكون توكيدا للإثنين فانتظم في حكمه، فوجب أن يكون مثله في كونه بدلا.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال قوله : أَحَدُهُما بدل، وقوله : أَوْ كِلاهُما توكيد، ويكون ذلك عطفا للتوكيد على البدل.
قلنا : العطف يقتضي المشاركة فجعل أَحَدُهُما بدلا والآخر توكيدا خلاف الأصل واللّه أعلم.
المسألة الثالثة : قال أبو الهيثم الرازي، وأبو الفتح الموصلي، وأبو علي الجرجاني : إن (كلا) اسم مفرد يفيد معنى التثنية ووزنه فعل ولامه معتل بمنزلة لام حجي ورضي وهي كلمة وضعت على هذه الخلقة يؤكد بها الاثنان خاصة ولا تكون إلا مضافة. والدليل عليه أنها لو كانت تثنية لوجب أن يقال في النصب والخفض مررت بكلي الرجلين بكسر الياء كما تقول : بين يدي الرجل ومِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ [المزمل : ٢٠]. ويا صاحِبَيِ السِّجْنِ [يوسف : ٣٩، ٤١]. وطَرَفَيِ النَّهارِ [هود : ١١٤] ولما لم يكن الأمر كذلك، علمنا أنها ليست تثنية بل هي لفظة مفردة وضعت للدلالة على التثنية كما أن لفظة (كل) اسم واحد موضوع للجماعة، فاذن أخبرت عن لفظة كما تخبر عن الواحد كقوله تعالى : وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً [مريم : ٩٥] وكذلك إذا أخبرت عن (كلا) أخبرت عن واحد فقلت كلا إخوتك كان قائما قال اللّه تعالى : كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها [الكهف : ٣٣] ولم يقل آتتا واللّه أعلم.
المسألة الرابعة : قوله : يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما معناه : أنهما يبلغان إلى حالة الضعف والعجز فيصيران عندك في آخر العمر كما كنت عندهما في أول العمر.
واعلم أنه تعالى لما ذكر هذه الجملة فعند هذا الذكر كلف الإنسان في حق الوالدين بخمسة أشياء :
النوع الأول : قوله تعالى : فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال الزجاج : فيه سبع لغات : كسر الفاء وضمها وفتحها، وكل هذه الثلاثة بتنوين وبغير تنوين فهذه ستة واللغة السابعة أفي بالياء قال الأخفش : كأنه أضاف هذا القول إلى نفسه فقال قولي هذا وذكر ابن الأنباري من لغات هذه اللفظة ثلاثة زائدة على ما ذكره الزجاج : أف بكسر الألف وفتح الفاء وأفه بضم الألف وإدخال الهاء وأف بضم الألف وتسكين الفاء.
المسألة الثانية : قرأ ابن كثير وابن عامر : بفتح الفاء من غير تنوين، ونافع وحفص : بكسر الفاء والتنوين، والباقون : بكسر الفاء من غير تنوين وكلها لغات، وعلى هذا الخلاف في سورة الأنبياء أُفٍّ لَكُمْ


الصفحة التالية
Icon