مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٣٧٩
آلهتنا «١» فوقع في نفسه أن يفعل ذلك مع كراهية، فنزلت هذه الآية.
المسألة الثانية : قال الزجاج معنى الكلام كادوا يفتنونك ودخلت إن واللام للتأكيد وإن مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، والمعنى إن الشأن [أنهم ] قاربوا أن يفتنوك أي يخدعوك فاتنين [و] أصل الفتنة الاختبار يقال فتن الصائغ الذهب إذا أدخله النار وأذابه / لتميز جيده من رديئه ثم استعملوه في كل من أزال الشيء عن حده وجهته فقالوا فتنه فقوله : وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أي يزيلونك ويصرفونك عن الذي أوحينا إليك يعني القرآن، والمعنى عن حكمة وذلك لأن في إعطائهم ما سألوه مخالفة لحكم القرآن، وقوله : لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ أي غير ما أوحينا إليك وهو قولهم : قل اللّه أمرني بذلك وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا أي لو فعلت ما أرادوا لاتخذوك خليلا وأظهروا للناس أنك موافق لهم على كونهم وراض بشركهم ثم قال : وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ أي على الحق بعصمتنا إياك لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ أي تميل إليهم شيئا قليلا وقوله : شَيْئاً عبارة عن المصدر أي ركونا قليلا، قال ابن عباس يريد حيث سكت عن جوابهم.
قال قتادة لما نزلت هذه الآية قال النبي صلّى اللّه عليه وسلم :«اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين»
ثم توعده في ذلك أشد التوعد فقال : إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات يريد عذاب الدنيا وعذاب الآخرة والضعف عبارة عن أن يضم إلى الشيء مثله فإن الرجل إذا قال لوكيله أعط فلانا شيئا فأعطاه درهما فقال أضعفه كان المعنى ضم إلى ذلك الدرهم مثله إذا عرفت هذا فنقول : إنا حسن إضمار العذاب في قوله : ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ لما تقدم في القرآن من وصف العذاب بالضعف في قوله : رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ [ص : ٦١] وقال : لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ [الأعراف : ٣٨] وحاصل الكلام أنك لو مكنت خواطر الشيطان من قبلك وعقدت على الركون إليه همتك لاستحققت بذلك تضعيف العذاب عليك في الدنيا والآخرة ولصار عذابك مثلي عذاب المشرك في الدنيا ومثلي عذابه في الآخرة والسبب في تضعيف هذا العذاب أن أقسام نعم اللّه تعالى في حق الأنبياء عليهم السلام أكثر فكانت ذنوبهم أعظم فكانت العقوبة المستحقة عليها أكثر ونظيره قوله تعالى : يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ [الأحزاب : ٣٠] فإن قيل
قال عليه السلام :«من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة»
فموجب هذا الحديث أنه عليه السلام لو رضي بما قالوه لكان وزره مثل وزر كل أحد من أولئك الكفار وعلى هذا التقدير يكون عقابه زائدا على الضعف قلنا إثبات الضعف لا يدل على نفي الزائد عليه إلا بالبناء على دليل الخطاب وهو حجة ضعيفة ثم قال تعالى : ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً يعني إذا أذقناك العذاب المضاعف لم تجد أحدا يخلصك من عذابنا وعقابنا واللّه أعلم.
المسألة الثالثة : احتج الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم السلام بهذه الآية فقالوا هذه الآية تدل على صدور الذنب العظيم عنهم من وجوه. الأول : أن الآية دلت على أنه عليه السلام قرب من أن يفتري على اللّه، والفرية على اللّه من أعظم الذنوب. والثاني : أنها تدل على أنه لولا أن اللّه تعالى ثبته وعصمه لقرب من أن يركن إلى دينهم ويميل إلى مذهبهم. والثالث : أنه لولا سبق جرم وجناية وإلا فلا حاجة إلى ذكر هذا الوعيد الشديد

(١) في الأصل حتى تستلم بآلهتنا. واستلم فعل متعدي لا يحتاج إلى جار فلذلك آثرت حذفه، وما بين الأقواس المربعة هنا وفيما يأتي زيادة اقتضاها سياق الكلام وليست في الأصول.


الصفحة التالية
Icon