مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤١٢
في ذلك الوقت «١».
البحث الثالث : قوله : كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً ظاهره يقتضي وجوب أن تكون الحالة الثانية أزيد من الحالة الأولى وإذا كان كذلك كانت الحالة الأولى بالنسبة إلى الحالة الثانية تخفيفا. والجواب : الزيادة حصلت في الحالة الأولى أخف من حصولها في الحالة الثانية فكان العذاب شديدا ويحتمل أن يقال لما عظم العذاب صار التفاوت الحاصل في أوقاته غير مشعور به نعوذ باللّه منه ولما ذكر تعالى أنواع هذا الوعيد قال : ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا والباء في قوله : بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا باء السببية وهو حجة لمن يقول العمل علة الجزاء واللّه أعلم.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٩٩]
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (٩٩)
اعلم أنه تعالى لما أجاب عن شبهات منكري النبوة عاد إلى حكاية شبهة منكري الحشر والنشر ليجيب عنها وتلك الشبهة هي أن الإنسان بعد أن يصير رفاتا ورميما يبعد أن يعود هو بعينه وأجاب اللّه تعالى عنه بأن من قدر على خلق السموات والأرض لم يبعد أن يقدر على إعادتهم بأعيانهم وفي قوله : قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ قولان : الأول : المعنى قادر على أن يخلقهم ثانيا فعبر عن خلقهم ثانيا بلفظ المثل كما يقول المتكلمون أن الإعادة مثل الابتداء. القول الثاني : المراد قادر على أن يخلق عبيدا آخرين يوحدونه ويقرون بكمال حكمته وقدرته ويتركون ذكر هذه الشبهات الفاسدة وعلى هذا التفسير فهو كقوله تعالى : وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ [إبراهيم : ١٩] وقوله : وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ [التوبة : ٣٩] قال الواحدي والقول هو الأول لأنه أشبه بما قبله ولما بين اللّه تعالى بالدليل المذكور أن البعث والقيامة أمر ممكن الوجود في نفسه أردفه بأن لوقوعه ودخوله في الوجود وقتا معلوما عند اللّه وهو قوله : وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ ثم قال تعالى : فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً أي بعد هذه الدلائل الظاهرة أبوا إلا الكفر والنفور والجحود.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٠٠]
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠)
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : أن الكفار لما قالوا، لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [الإسراء : ٩٠] طلبوا إجراء الأنهار والعيون في بلدتهم لتكثر أموالهم وتتسع عليهم معيشتهم فبين اللّه تعالى لهم أنهم لو ملكوا خزائن رحمة اللّه لبقوا على بخلهم وشحهم ولما أقدموا على إيصال النفع إلى أحد وعلى هذا التقدير فلا فائدة في إسعافهم بهذا المطلوب الذي التمسوه فهذا هو الكلام في وجه النظم واللّه أعلم.

(١) مقتضى الكلام أن يقال : لكن لا يدل هذا على أن يخفف العذاب إلخ.


الصفحة التالية
Icon