مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤٤٣
البحث الأول : قرأ ابن عامر تزور ساكنة الزاي المعجمة مشددة الراء مثل تحمر، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي تزاور بالألف والتخفيف والباقون تزاور بالتشديد والألف والكل بمعنى واحد، والتزاور هو الميل والانحراف، ومنه زاره إذا مال إليه والزور الميل عن الصدق، وأما التشديد فأصله تتزاور سكنت التاء الثانية وأدغمت في الزاي، وأما التخفيف فهو تفاعل من الزور وأما تزور فهو من الازورار.
البحث الثاني : قوله : وَتَرَى الشَّمْسَ أي أنت أيها المخاطب ترى الشمس عند طلوعها تميل عن كهفهم وليس المراد أن من خوطب بهذا يرى هذا المعنى ولكن العادة في المخاطبة تكون على هذا النحو، ومعناه أنك لو رأيته على هذه الصورة.
البحث الثالث : قوله : ذاتَ الْيَمِينِ أي جهة اليمين وأصله أن ذات صفة أقيمت مقام الموصوف لأنها تأنيث ذو في قولهم رجل ذو مال، وامرأة ذات مال، والتقدير كأنه قيل تزاور عن كهفهم جهة ذات اليمين، وأما قوله : وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ ففيه بحثان :
البحث الأول : قال الكسائي قرضت المكان أي عدلت عنه وقال أبو عبيدة القرض في أشياء فمنها القطع، وكذلك السير في البلاد أي إذا قطعها. تقول لصاحبك هل وردت مكان كذا فيقول المجيب إنما قرضته فقوله :
تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ أي تعدل عن سمت رؤوسهم إلى جهة الشمال.
البحث الثاني : للمفسرين هاهنا قولان : القول الأول : أن باب ذلك الكهف كان مفتوحا إلى جانب الشمال فإذا طلعت الشمس كانت على يمين الكهف وإذا غربت كانت على شماله فضوء / الشمس ما كان يصل إلى داخل الكهف، وكان الهواء الطيب والنسيم الموافق يصل، والمقصود أن اللّه تعالى صان أصحاب الكهف من أن يقع عليهم ضوء الشمس وإلا لفسدت أجسامهم فهي مصونة عن العفونة والفساد. والقول الثاني : أنه ليس المراد ذلك، وإنما المراد أن الشمس إذا طلعت منع اللّه ضوء الشمس من الوقوع. وكذا القول حال غروبها، وكان ذلك فعلا خارقا للعادة وكرامة عظيمة خص اللّه بها أصحاب الكهف، وهذا قول الزجاج واحتج على صحته بقوله :
ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ قال ولو كان الأمر كما ذكره أصحاب القول الأول لكان ذلك أمرا معتادا مألوفا فلم يكن ذلك من آيات اللّه، وأما إذا حملنا الآية على هذا الوجه الثاني كان ذلك كرامة عجيبة فكانت من آيات اللّه، واعلم أنه تعالى أخبر بعد ذلك أنهم كانوا في متسع من الكهف ينالهم فيه برد الريح ونسيم الهواء، قال : وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ أي من الكهف، والفجوة متسع في مكان، قال أبو عبيدة وجمعها فجوات، ومنه
الحديث :«فإذا وجد فجوة نص»
ثم قال تعالى : ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ وفيه قولان الذين قالوا إنه يمنع وصول ضوء الشمس بقدرته قالوا المراد من قوله ذلك أي ذلك التزاور والميل، والذين لم يقولوا به قالوا المراد بقوله ذلك أي ذلك الحفظ الذي حفظهم اللّه في الغار تلك المدة الطويلة، من آيات الدالة على عجائب قدرته وبدائع حكمته، ثم بين تعالى أنه كما أن بقاءهم هذه المدة الطويلة مصونا عن الموت والهلاك من تدبيراته ولطفه وكرمه، فكذلك رجوعهم أولا عن الكفر ورغبتهم في الإيمان كان بإعانة اللّه ولطفه فقال : مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ مثل أصحاب الكهف : وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً كدقيانوس الكافر وأصحابه، ومناظرات أهل الجبر والقدر في هذه الآية معلومة.


الصفحة التالية
Icon