مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤٤٤
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٨]
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨)
اعلم أن معنى قوله : وَتَحْسَبُهُمْ على ما ذكرناه في قوله : وَتَرَى الشَّمْسَ [الكهف : ١٧] أي لو رأيتهم لحسبتهم أَيْقاظاً وهو جمع يقظ ويقظان قاله الأخفش وأبو عبيدة والزجاج وأنشدوا لرؤبة :
ووجدوا إخوانهم أيقاظا
ومثله قوله نجد ونجدان وأنجاد، وهم رقود أي نائمون وهو مصدر سمي المفعول به كما يقال قوم ركوع وقعود وسجود يوصف الجمع بالمصدر، ومن قال إنه جمع راقد فقد أبعد لأنه لم يجمع فاعل على فعول، قال الواحدي : وإنما يحسبون أَيْقاظاً لأن أعينهم مفتحة وهم نيام وقال الزجاج لكثرة تقلبهم يظن أنهم أيقاظ، والدليل عليه قوله تعالى : وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ واختلفوا في مقدار مدة التقليب فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن لهم في كل عام تقليبتين وعن مجاهد يمكثون على أيمانهم تسع سنين ثم يقلبون على شمائلهم فيمكثون رقودا تسع سنين وقيل لهم تقليبة واحدة في يوم عاشوراء. وأقول هذه التقديرات لا سبيل للعقل إليها، ولفظ القرآن لا يدل عليه، وما جاء فيه خبر صحيح فكيف يعرف؟ وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما فائدة تقليبهم لئلا تأكل الأرض لحومهم ولا تبليهم. وأقول هذا عجيب لأنه تعالى لما قدر على أن يمسك حياتهم مدة ثلاثمائة سنة وأكثر فلم لا يقدر على حفظ أجسادهم أيضا من غير تقليب؟ وقوله : ذاتَ منصوبة على الظرف لأن المعنى نقلبهم في ناحية اليمين أو على ناحية اليمين كما قلنا في قوله : تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وقوله : وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ قال ابن عباس وأكثر المفسرين قالوا إنهم هربوا ليلا من ملكهم، فمروا براع معه كلب فتبعهم على دينهم ومعه كلبه، وقال كعب مروا بكلب فنبح عليهم فطردوه فعاد ففعلوا مرارا، فقال لهم الكلب ما تريدون مني لا تخشوا جانبي أنا أحب أحباء اللّه فناموا حتى أحرسكم، وقال عبيد بن عمير كان ذلك كلب صيدهم ومعنى : باسِطٌ ذِراعَيْهِ أي يلقيهما على الأرض مبسوطتين غير مقبوضتين، ومنه
الحديث في الصلاة :«أنه نهى عن افتراش السبع» وقال :«لا تفترش ذراعيك افتراش السبع»
قوله : بِالْوَصِيدِ يعني فناء الكهف قال الزجاج الوصيد فناء البيت وفناء الدار وجمعه وصائد ووصد، وقال يونس والأخفش والفراء الوصيد والأصيد لغتان مثل الوكاف والإكاف، وقال السدي : بِالْوَصِيدِ الباب والكهف لا يكون له باب ولا عتبة وإنما أراد أن الكلب منه بموضع العتبة من البيت، ثم قال : لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ أي أشرفت عليهم يقال اطلعت عليهم أي أشرفت عليهم، ويقال أطلعت فلانا على الشيء فاطلع وقوله :
لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً قال الزجاج قوله : فِراراً منصوب على المصدر لأن معنى وليت منهم فررت :
وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً أي فزعا وخوفا قيل في التفسير طالت شعورهم وأظفارهم وبقيت أعينهم مفتوحة وهم نيام، فلهذا السبب لو رآهم الرائي لهرب منهم مرعوبا، وقيل : إنه تعالى جعلهم بحيث كل من رآهم فزع فزعا شديدا، فأما تفصيل سبب الرعب فاللّه أعلم به. وهذا هو الأصح وقوله : وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً قرأ نافع وابن كثير لملئت بتشديد اللام والهمزة والباقون بتخفيف اللام، وروي عن ابن كثير بالتخفيف والمعنى واحد إلا أن في التشديد مبالغة، قال الأخفش الخفيفة أجود في كلام العرب، يقال : ملأتني رعبا، ولا يكادون يعرفون


الصفحة التالية
Icon