مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤٤٥
ملأتني، ويدل على هذا أكثر استعمالهم كقوله :
فيملأ بيتنا أقطا وسمنا «١»
وقول الآخر :
ومن مالأ عينيه من شيء غيره إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى
وقال الآخر :
لا تملأ الدلو وعرق فيها
وقال الآخر :
امتلأ الحوض وقال قطني
وقد جاء التثقيل أيضا، وأنشدوا للمخبل السعدي :
وإذا قتل النعمان بالناس محرما فملأ من عوف بن كعب سلاسله
وقرأ ابن عامر والكسائي رعبا بضم العين في جميع القرآن والباقون بالإسكان.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٩ إلى ٢٠]
وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠)
اعلم أن التقدير وكما زدناهم هدى، وربطنا على قلوبهم، فضربنا على آذانهم وأنمناهم وأبقيناهم أحياء لا يأكلون ولا يشربون ونقلبهم فكذلك بعثناهم أي أحييناهم من تلك النومة التي تشبه الموت ليتساءلوا بينهم تساءل تنازع واختلاف في مدة لبثهم، فإن قيل : هل يجوز أن يكون الغرض من بعثهم أن يتساءلوا ويتنازعوا؟ قلنا : لا يبعد ذلك لأنهم إذا تساءلوا انكشف لهم من قدرة اللّه تعالى أمور عجيبة وأحوال غريبة، وذلك الانكشاف أمر مطلوب لذاته. ثم قال تعالى :/ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ أي كم مقدار لبثنا في هذا الكهف : قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قال المفسرون إنهم دخلوا الكهف غدوة وبعثهم اللّه في آخر النهار، فلذلك قالوا لبثنا يوما فلما رأوا الشمس باقية قالوا أو بعض يوم، ثم قال تعالى : قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ، قال ابن عباس هو رئيسهم يمليخا رد علم ذلك إلى اللّه تعالى لأنه لما نظر إلى أشعارهم وأظفارهم وبشرة وجوههم رأى فيها آثار التغير الشديد فعلم أن مثل ذلك التغير لا يحصل إلا في الأيام الطويلة. ثم قال : فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم بورقكم ساكنة الراء مفتوحة الواو ومنهم من قرأ [ها] مكسورة الواو ساكنة الراء وقرأ ابن كثير بورقكم بكسر الراء وإدغام القاف في الكاف وعن ابن

(١) هذا صدر بيت من أبيات لامرئ القيس منها :
إذا ما لم تكن إبل فمعزى كأن قرون جلتها العصي
فتملأ بيتنا أقطا وسمنا وحسبك من غني شبع ورى


الصفحة التالية
Icon