مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤٩٨
السلام في هذا الذكر. والثالث : كذلك كانت حالته مع أهل المطلع كما كانت مع أهل المغرب، قضى في هؤلاء كما قضى في أولئك، من تعذيب الظالمين والإحسان إلى المؤمنين. والرابع : أنه تم الكلام عند قوله كذلك والمعنى أنه تعالى قال : أمر هؤلاء القوم كما وجدهم عليه ذو القرنين ثم قال بعده : وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً أي كنا عالمين بأن الأمر كذلك.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٩٢ إلى ٩٥]
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥)
اعلم أن ذا القرنين لما بلغ المشرق والمغرب أتبع سببا آخر وسلك الطريق حتى بلغ بين السدين، وقد آتاه اللّه من العلم والقدرة ما يقوم بهذه الأمور. وهاهنا مباحث :
الأول : قرأ حمزة والكسائي : السَّدَّيْنِ بضم السين وسدا بفتحها حيث كان، وقرأ حفص عن عاصم بالفتح فيهما في كل القرآن، وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم بالضم فيهما في كل القرآن، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو السَّدَّيْنِ وسدا هاهنا بفتح السين فيهما وضمها في يس في الموضعين قال الكسائي : هما لغتان، وقيل : ما كان من صنعة بني آدم فهو السد بفتح السين، وما كان من صنع اللّه فهو السد بضم السين والجمع سدد، وهو قول أبي عبيدة وابن الأنباري، قال صاحب الكشاف : السد بالضم فعل بمعنى مفعول أي هو مما فعله اللّه وخلقه، والسد بالفتح مصدر حدث يحدثه الناس.
البحث الثاني : الأظهر أن موضع السدين في ناحية الشمال، وقيل : جبلان بين أرمينية وبين أذربيجان، وقيل : هذا المكان في مقطع أرض الترك، وحكى محمد بن جرير الطبري في / تاريخه أن صاحب أذربيجان أيام فتحها وجه إنسانا إليه من ناحية الخزر فشاهده ووصف أنه بنيان رفيع وراء خندق عميق وثيق منيع، وذكر ابن خردا [ذبة] في كتاب المسالك والممالك أن الواثق باللّه رأى في المنام كأنه فتح هذا الردم فبعث بعض الخدم إليه ليعاينوه فخرجوا من باب الأبواب حتى وصلوا إليه وشاهدوه فوصفوا أنه بناء من لبن من حديد مشدود بالنحاس المذاب وعليه باب مقفل، ثم إن ذلك الإنسان لما حاول الرجوع أخرجهم الدليل على البقاع المحاذية لسمرقند، قال أبو الريحان : مقتضى هذا أن موضعه في الربع الشمالي الغربي من المعمورة، واللّه أعلم بحقيقة الحال.
البحث الثالث : أن ذا القرنين لما بلغ ما بين السدين وجد من دونهما أي من ورائهما مجاوزا عنهما قَوْماً أي أمة من الناس : لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قرأ حمزة والكسائي يفقهون بضم الياء وكسر القاف على معنى لا يمكنهم تفهيم غيرهم والباقون بفتح الياء والقاف، والمعنى أنهم لا يعرفون غير لغة أنفسهم وما كانوا يفهمون اللسان الذي يتكلم به ذو القرنين، ثم قال تعالى : قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فإن قيل : كيف فهم ذو القرنين منهم هذا الكلام بعد أن وصفهم اللّه بقوله : لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا والجواب : أن نقول كاد فيه قولان : الأول : أن إثباته نفي، ونفيه اثبات، فقوله : لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا لا


الصفحة التالية
Icon