مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٥١٠
في حصول الخوف فربما عرف ببعض الإمارات استمرارهم على عادتهم في الفساد والشر واختلف في تفسير قوله : فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا فالأكثرون على أنه طلب الولد وقال آخرون بل طلب من يقوم مقامه ولدا كان أو غيره والأقرب هو الأول لثلاثة أوجه. الأول : قوله تعالى في سورة آل عمران حكاية عنه : قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً [آل عمران : ٣٨]. والثاني : قوله في هذه السورة : فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ. والثالث : قوله تعالى في سورة الأنبياء : وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً [الأنبياء : ٨٩] وهذا يدل على أنه سأل الولد لأنه قد أخبر في سورة مريم أن له موالي وأنه غير منفرد عن الورثة وهذا وإن أمكن حمله على وارث يصلح أن يقوم مقامه لكن حمله على الولد أظهر واحتج أصحاب القول الثالث بأنه لما بشر بالولد استعظم على سبيل التعجب فقال أنى يكون لي غلام ولو كان دعاؤه لأجل الولد لما استعظم ذلك. الجواب : أنه عليه السلام سأل عما يوهب له أيوهب له وهو وامرأته على هيئتهما أو يوهب بأن يحولا شابين يكون لمثلهما ولد؟ وهذا يحكي عن الحسن وقال غيره إن قول زكرياء عليه السلام في الدعاء.
وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً إنما هو على معنى مسألته ولدا من غيرها أو منها بأن يصلحها اللّه للولد فكأنه عليه السلام قال إني أيست أن يكون لي منها ولد فهب لي من لدنك وليا كيف شئت إما بأن تصلحها فيكون الولد منها أو بأن / تهب لي من غيرها فلما بشر بالغلام سأل أيرزق منها أو من غيرها فأخبر بأنه يرزق منها واختلفوا في المراد بالميراث على وجوه. أحدها : أن المراد بالميراث في الموضعين هو وراثة المال وهذا قول ابن عباس والحسن والضحاك. وثانيها : أن المراد به في الموضعين وراثة النبوة وهو قول أبي صالح. وثالثها : يرثني المال ويرث من آل يعقوب النبوة وهو قول السدي ومجاهد والشعبي وروي أيضا عن ابن عباس والحسن والضحاك.
ورابعها : يرثني العلم ويرث من آل يعقوب النبوة وهو مروي عن مجاهد واعلم أن هذه الروايات ترجع إلى أحد أمور خمسة وهي المال ومنصب الحبورة والعلم والنبوة والسيرة الحسنة ولفظ الإرث مستعمل في كلها أما في المال فلقوله تعالى : أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ [الأحزاب : ٢٧] وأما في العلم فلقوله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ [غافر : ٥٣] وقال عليه السلام :«العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم»
وقال تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ [النمل : ١٥، ١٦] وهذا يحتمل وراثة الملك ووراثة النبوة وقد يقال أورثني هذا غما وحزنا، وقد ثبت أن اللفظ محتمل لتلك الوجوه. واحتج من حمل اللفظ على وراثة المال بالخبر والمعقول أما الخبر
فقوله عليه السلام :«رحم اللّه زكريا ما كان له من يرثه»
وظاهره يدل على أن المراد إرث المال وأما المعقول فمن وجهين. الأول : أن العلم والسيرة والنبوة لا تورث بل لا تحصل إلا بالاكتساب فوجب حمله على المال. الثاني : أنه قال وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ولو كان المراد من الإرث إرث النبوة لكان قد سأل جعل النبي صلّى اللّه عليه وسلم رضيا وهو غير جائز لأن النبي لا يكون إلا رضيا معصوما، وأما
قوله عليه السلام :«إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة»
فهذا لا يمنع أن يكون خاصا به واحتج من حمله على العلم أو المنصب والنبوة بما علم من حال الأنبياء أن اهتمامهم لا يشتد بأمر المال كما يشتد بأمر الدين، وقيل لعله أوتي من الدنيا ما كان عظيم النفع في الدين فلهذا كان مهتما به أما قوله النبوة كيف تورث قلنا المال إنما يقال ورثه الابن بمعنى قام فيه مقام أبيه وحصل له من فائدة التصرف فيه ما حصل لأبيه وإلا فملك المال من قبل اللّه لا من قبل المورث فكذلك إذا كان المعلوم في الإبن أن يصير نبيا بعده فيقوم بأمر الدين بعده جاز أن يقال ورثه أما
قوله


الصفحة التالية
Icon