مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٥١١
عليه السلام :«إنا معشر الأنبياء»
فهذا وإن جاز حمله على الواحد كما في قوله تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ [الحجر : ٩] لكنه مجاز وحقيقته الجمع والعدول عن الحقيقة من غير موجب لا يجوز لا سيما وقد روي قوله :«إنا معاشر الأنبياء لا نورث»
والأولى أن يحمل ذلك على كل ما فيه نفع وصلاح في الدين وذلك يتناول النبوة والعلم والسيرة الحسنة والمنصب النافع في الدين والمال الصالح، فإن كل هذه الأمور مما يجوز توفر الدواعي على بقائها ليكون ذلك النفع دائما مستمرا. السابع : اتفق أكثر المفسرين على أن يعقوب هاهنا هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام لأن زوجة زكرياء هي أخت مريم وكانت من ولد سليمان بن داود من ولد يهوذا بن يعقوب وأما زكرياء / عليه السلام فهو من ولد هارون أخي موسى عليه السلام وهارون وموسى عليهما السلام من ولد لاوى بن يعقوب بن إسحاق وكانت النبوة في سبط يعقوب لأنه هو إسرائيل صلّى اللّه عليه وسلم وقال بعض المفسرين ليس المراد من يعقوب هاهنا ولد إسحاق بن إبراهيم عليه السلام بل يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان وكان آل يعقوب أخوال يحيى بن زكرياء وهذا قول الكلبي ومقاتل. وقال الكلبي كان بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وملوكهم وكان زكريا رأس الأحبار يومئذ فأراد أن يرثه ولده حبورته ويرث من بني ماثان ملكهم، واعلم أنهم ذكروا في تفسير الرضى وجوها. أحدها : أن المراد واجعله رضيا من الأنبياء وذلك لأن كلهم مرضيون فالرضي منهم مفضل على جملتهم فائق لهم في كثير من أمورهم فاستجاب اللّه تعالى له ذلك فوهب له سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين لم يعص ولم يهم بمعصية، وهذا غاية ما يكون به المرء رضيا. وثانيها : المراد بالرضي أن يكون رضيا في أمته لا يتلقى بالتكذيب ولا يواجه بالرد. وثالثها : المراد بالرضي أن لا يكون متهما في شيء ولا يوجد فيه مطعن ولا ينسب إليه شيء من المعاصي.
ورابعها : أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام قالا في الدعاء : رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ [البقرة : ١٨٢] وكانا في ذلك الوقت مسلمين، وكأن المراد هناك ثبتنا على هذا أو المراد اجعلنا فاضلين من أنبيائك المسلمين فكذا هاهنا واحتج أصحابنا في مسألة خلق الأفعال بهذه الآية لأنه إنما يكون رضيا بفعله، فلما سأل اللّه تعالى جعله رضيا دل على أن فعل العبد مخلوق للّه تعالى.
فإن قيل : المراد منه أن يلطف له بضروب الألطاف فيختار ما يصير مرضيا فينسب ذلك إلى اللّه تعالى. والجواب من وجهين : الأول : أن جعله رضيا لو حملناه على جعل الألطاف وعندها يصير المرء باختياره رضيا لكان ذلك مجازا وهو خلاف الأصل. والثاني : أن جعل تلك الألطاف واجبة على اللّه تعالى لا يجوز الإخلال به وما كان واجبا لا يجوز طلبه بالدعاء والتضرع.
[سورة مريم (١٩) : آية ٧]
يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧)
فيه مسائل :
المسألة الأولى : اختلفوا في من المنادي بقوله : يا زكريا، فالأكثرون على أنه هو اللّه تعالى وذلك لأن ما قبل هذه الآية يدل على أن زكريا عليه السلام إنما كان يخاطب اللّه تعالى ويسأله وهو قوله : رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي [مريم : ٤] وقوله : وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا [مريم : ٤] وقوله : فَهَبْ لِي [مريم : ٥] وما بعدها يدل على أنه كان يخاطب اللّه تعالى وهو يقول : رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ [آل عمران : ٤٠] وإذا كان ما قبل هذه الآية وما بعدها خطابا مع اللّه تعالى وجب أن يكون النداء من اللّه تعالى وإلا لفسد النظم، ومنهم من قال هذا نداء الملك واحتج عليه بوجهين. الأول : قوله تعالى في سورة آل عمران : فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ


الصفحة التالية
Icon