مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٥١٢
أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى
[آل عمران : ٣٩]. الثاني : أن زكريا / عليه السلام لما قال : أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ [مريم : ٨، ٩] وهذا لا يجوز أن يكون كلام اللّه فوجب أن يكون كلام الملك. والجواب عن الأول : أنه يحتمل أن يقال حصل النداءان نداء اللّه ونداء الملائكة. وعن الثاني : أنا نبين إن شاء تعالى أن قوله : قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ يمكن أن يكون كلام اللّه.
المسألة الثانية : فإن قيل إن كان الدعاء بإذن فما معنى البشارة، وإن كان بغير إذن فلما ذا أقدم عليه؟
والجواب هذا أمر يخصه فيجوز أن يسأل بغير إذن، ويحتمل أنه أذن له فيه ولم يعلم وقته فبشر به.
المسألة الثالثة : اختلف المفسرون في قوله : لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا على وجهين : أحدهما : وهو قول ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة أنه لم يسم أحد قبله بهذا الاسم. الثاني : أن المراد بالسمي النظير كما في قوله : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم : ٦٥] واختلفوا في ذلك على وجوه : أحدها : أنه سيد وحصور لم يعص ولم يهم بمعصية كأنه جواب لقوله : وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [مريم : ٦] فقيل له إنا نبشرك بغلام لم نجعل له من قبل شبيها في الدين، ومن كان هكذا فهو في غاية الرضا. وهذا الوجه ضعيف لأنه يقتضي تفضيله على الأنبياء الذين كانوا قبله كآدم ونوح وإبراهيم وموسى وذلك باطل بالاتفاق. وثانيها : أن كل الناس إنما يسميهم آباؤهم وأمهاتهم بعد دخولهم في الوجود، وأما يحيى عليه السلام فإن اللّه تعالى هو الذي سماه قبل دخوله في الوجود فكان ذلك من خواصه فلم يكن له مثل وشبيه في هذه الخاصية. وثالثها : أنه ولد بين شيخ فان وعجوز عاقر، واعلم أن الوجه الأول أولى وذلك لأن حمل السمي على النظير وإن كان يفيد المدح والتعظيم ولكنه عدول عن الحقيقة من غير ضرورة وإنه لا يجوز، وأما قول اللّه تعالى : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا فهناك إنما عدلنا عن الظاهر لأنه قال : فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم : ٦٥] ومعلوم أن مجرد كونه تعالى مسمى بذلك الاسم لا يقتضي وجوب عبادته، فلهذه العلة عدلنا عن الظاهر، أما هاهنا لا ضرورة في العدول عن الظاهر فوجب إجراؤه عليه ولأن في تفرده بذلك الاسم ضربا من التعظيم لأنا نشاهد أن الملك إذا كان له لقب مشهور فإن حاشيته لا يتلقبون به بل يتركونه تعظيما له فكذلك هاهنا.
المسألة الرابعة : في أنه عليه السلام سمي بيحيى روى الثعلبي فيه وجوها. أحدها : عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن اللّه تعالى أحيا به عقر أمه. وثانيها : عن قتادة أن اللّه تعالى أحيا قلبه بالإيمان والطاعة واللّه تعالى سمى المطيع حيا والعاصي ميتا بقوله تعالى : أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ [الأنعام : ١٢٢] وقال : إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [الأنفال : ٢٤]. وثالثها : إحياؤه بالطاعة حتى لم يعص ولم يهم بمعصية لما
روى عكرمة عن ابن عباس رضي اللّه عنهم قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم :«ما من أحد إلا وقد عصى أو هم إلا يحيى بن زكريا فإنه لم يهم ولم يعملها».
ورابعها : عن أبي القاسم بن حبيب أنه استشهد وأن الشهداء أحياء عند ربهم لقوله تعالى : بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ [آل عمران : ١٦٩]. وخامسها : ما قاله / عمرو بن عبد اللّه المقدسي : أوحى اللّه تعالى إلى إبراهيم عليه السلام أن قل ليسارة، وكان اسمها كذلك، بأني مخرج منها عبدا لا يهم بمعصية اسمه حيي.
فقال : هبي له من اسمك حرفا فوهبته حرفا من اسمها فصار يحيى وكان اسمها يسارة فصار اسمها سارة.
وسادسها : أن يحيى عليه السلام أول من آمن بعيسى فصار قلبه حيا بذلك الإيمان وذلك أن أم يحيى كانت حاملا


الصفحة التالية
Icon