مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٥٢٩
البدن. إذا ثبت هذا فنقول : فلم قدم اللّه تعالى في الحكاية دفع ضرر الجوع والعطش على دفع ضرر الخوف، والجواب أن هذا الخوف كان قليلا لأن بشارة جبريل عليه السلام كانت قد تقدمت فما كانت تحتاج إلى التذكير مرة أخرى.
المسألة السابعة : قال صاحب «الكشاف» قرأ ترئن بالهمزة ابن الرومي عن أبي عمرو وهذا من لغة من يقول لبأت بالحج وحلأت السويق وذلك لتآخ بين الهمز وحرف اللين في الإبدال صَوْماً صمتا وفي مصحف عبد اللّه صمتا وعن أنس بن مالك مثله وقيل صياما إلا أنهم كانوا لا يتكلمون في صيامهم فعلى هذا كان ذكر الصوم دالا على الصمت وهذا النوع من النذر كان جائزا في شرعهم، وهل يجوز مثل هذا النذر في شرعنا قال القفال لعله يجوز لأن الاحتراز عن كلام الآدميين وتجريد الفكر لذكر اللّه تعالى قربه، ولعله لا يجوز لما فيه من التضييق وتعذيب النفس كنذر القيام في الشمس، وروي أنه دخل أبو بكر على امرأة قد نذرت أنها لا تتكلم فقال أبو بكر : إن الإسلام هدم هذا فتكلمي واللّه أعلم.
المسألة الثامنة : أمرها اللّه تعالى بأن تنذر الصوم لئلا تشرع مع من اتهمها في الكلام / لمعنيين : أحدهما :
أن كلام عيسى عليه السلام أقوى في إزالة التهمة من كلامها وفيه دلالة على أن تفويض الأمر إلى الأفضل أولى.
والثاني : كراهة مجادلة السفهاء وفيه أن السكوت عن السفيه واجب، ومن أذل الناس سفيه لم يجد مسافها.
المسألة التاسعة : اختلفوا في أنها هل قالت معهم : إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فقال قوم : إنها ما تكلمت معهم بذلك لأنها كانت مأمورة بأن تأتي بهذا النذر عند رؤيتهم فإذا أتت بهذا النذر فلو تكلمت معهم بعد ذلك لوقعت في المناقضة ولكنها أمسكت وأومأت برأسها، وقال آخرون : إنها ما نذرت في الحال بل صبرت حتى أتاها القوم فذكرت لهم : إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا وهذه الصيغة وإن كانت عامة إلا أنها صارت بالقرينة مخصوصة في حق هذا الكلام.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٢٧ إلى ٢٩]
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اختلفوا في أنها كيف أتت بالولد على أقوال : الأول : ما روي عن وهب قال : أنساها كرب الولادة وما سمعته من الناس ما كان من كلام الملائكة من البشارة بعيسى عليه السلام فلما كلمها جاءها مصداق ذلك فاحتملته وأقبلت به إلى قومها. الثاني : ما
روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن يوسف انتهى بمريم إلى غار فأدخلها فيه أربعين يوما حتى طهرت من النفاس ثم أتت به قومها تحمله فكلمها عيسى في الطريق، فقال : يا أماه أبشري فإني عبد اللّه ومسيحه.
وهذان الوجهان محتملان وليس في القرآن ما يدل على التعيين.
المسألة الثانية : الفريّ، البديع وهو من فري الجلد يروى أنهم لما رأوها ومعها عيسى عليه السلام قالوا لها : لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا فيحتمل أن يكون المراد شيئا عجيبا خارجا عن العادة من غير تعيير وذم ويحتمل أن


الصفحة التالية
Icon