مفاتيح الغيب، ج ٢٢، ص : ١٣٢
منزه عن النفع والضر، وإذا بطل ذلك تعين أن الغرض لا بد وأن يكون عائدا إلى العباد، ولا غرض للعباد إلا حصول اللذات وعدم حصول الآلام، واللَّه تعالى قادر على تحصيلها ابتداء من غير شيء من الوسائط. وإذا كان كذلك استحال أن يفعل شيئا لأجل شيء. وسادسها : هو أنه لو فعل فعلا لغرض لكان وجود ذلك الغرض وعدمه بالنسبة إليه إما أن يكون على السواء أو لا يكون، فإن كان على السواء استحال أن يكون غرضا، وإن لم يكن على السواء لزم كونه تعالى ناقصا بذاته كاملا بغيره وذلك محال، فإن قلت وجود ذلك الغرض وعدمه وإن كان بالنسبة إليه على السواء. أما بالنسبة إلى العباد فالوجود أولى من العدم، قلنا : تحصيل تلك الأولوية للعبد وعدم تحصيلها له إما أن يكون بالنسبة إليه على السوية أو لا على السوية، ويعود التقسيم الأول. وسابعها : وهو أن الموجود إما هو سبحانه أو ملكه وملكه ومن تصرف في ملك نفسه لا يقال له لم فعلت ذلك.
وثامنها : وهو أن من قال لغيره لم فعلت ذلك؟ فهذا السؤال إنما يحسن حيث يحتمل أن يقدر السائل على منع المسؤول منه عن فعله وذلك من العبد في حق اللَّه تعالى محال، فإنه لو فعل أي فعل شاء فالعبد كيف يمنعه عن ذلك؟ إما بأن يهدده بالعقاب والإيلام وذلك على اللَّه تعالى محال، أو بأن يهدده باستحقاق الذم والخروج عن الحكمة والإنصاف بالسفاهة على ما يقوله المعتزلة وذلك ايضا محال، لأن استحقاقه للمدح واتصافه بصفات الحكمة والجلال أمور ذاتية له، وما ثبت للشيء لذاته يستحيل أن يتبدل لأجل تبدل الصفات العرضية الخارجية، فثبت بهذه الوجوه أنه لا يجوز أن يقال للَّه في أفعاله لم فعلت هذا الفعل؟ فإن كل شيء صنعه ولا علة لصنعه، وأما المعتزلة فإنهم سلموا أنه لا يجوز أن يقال للَّه لم فعلت هذا الفعل ولكنهم بنوا ذلك على أصل آخر، وهو أنه تعالى عالم بقبح القبائح، وعالم بكونه غنيا عنها، ومن كان كذلك فإنه يستحيل أن يفعل القبيح، وإذا عرفنا ذلك عرفنا إجمالا أن كل ما يفعله اللَّه تعالى فهو حكمة وصواب، وإذا كان كذلك لم يجز للعبد أن يقول للَّه لم فعلت هذا.
أما البحث الثاني : وهو قوله تعالى : وَهُمْ يُسْئَلُونَ فهذا يدل على كون المكلفين مسؤولين عن أفعالهم وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : أن الكلام في هذا السؤال إما في الإمكان العقلي أو في الوقوع السمعي، أما الإمكان العقلي فالخلاف فيه مع منكري التكاليف، واحتجوا على قولهم بوجوه. أحدها : قالوا : التكليف إما أن يتوجه على العبد حال استواء داعيته إلى الفعل والترك، أو حال رجحان أحدهما على الآخر. والأول محال لأن حال الاستواء يمتنع الترجيح وحال امتناع الترجيح يكون التكليف / بالترجيح تكليفا بالمحال، والثاني محال لأن حال الرجحان يكون الراجح واجب الوقوع والمرجوح ممتنع الوقوع. والتكليف بإيقاع ما يكون واجب الوقوع عبث، وبإيقاع ما هو ممتنع الوقوع تكليف بما لا يطاق. وثانيها : قالوا كل ما علم اللَّه وقوعه فهو واجب الوقوع فيكون التكليف به عبثا، وكل ما علم اللَّه تعالى عدمه كان ممتنع الوقوع، فيكون التكليف به تكليفا بما لا يطاق.
وثالثها : قالوا : سؤال العبد ما أن يكون لفائدة أو لا لفائدة فإن كان لفائدة فتلك الفائدة إن عادت إلى اللَّه تعالى كان محتاجا وهو محال، وإن عادت إلى العبد فهو محال، لأن سؤاله لما كان سببا لتوجيه العقاب عليه، لم يكن هذا نفعا عائدا إلى العبد بل ضررا عائدا إليه، وإن لم يكن في السؤال فائدة كان عبثا وهو غير جائز على الحكيم، بل كان إضرارا وهو غير جائز على الرحيم. والجواب عنها من وجهين : الأول : أن غرضكم من إيراد


الصفحة التالية
Icon