مفاتيح الغيب، ج ٢٢، ص : ١٣٦
ارتضاه اللَّه تعالى في ذلك فقد صدق عليه أنه ارتضاه اللَّه لأن المركب متى صدق فقد صدق لا محالة كل واحد من أجزائه، وإذا ثبت أن اللَّه قد ارتضاه وجب اندراجه تحت هذه الآية فثبت بالتقرير الذي ذكرناه أن هذه الآية من أقوى الدلائل لنا على ما قرره ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
المسألة الثالثة : هذه الآية تدل على أمور ثلاثة : أحدها : تدل على كون الملائكة مكلفين / من حيث قال :
لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ومن حيث الوعيد. وثانيها : تدل أيضا على أن الملائكة معصومون لأنه قال : وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. وثالثها : قال القاضي عبد الجبار قوله : كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ يدل على أن كل ظالم يجزيه اللَّه جهنم كما توعد الملائكة به وذلك يوجب القطع على أنه تعالى لا يغفر لأهل الكبائر في الآخرة. والجواب : أقصى ما في الباب أن هذا العموم مشعر بالوعيد وهو معارض بعمومات الوعيد.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٣٠ إلى ٣٣]
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣)
اعلم أنه سبحانه وتعالى شرع الآن في الدلائل الدالة على وجود الصانع، وهذه الدلائل أيضا دالة على كونه منزها عن الشريك، لأنها دالة على حصول الترتيب العجيب في العالم، ووجود الإلهين يقتضي وقوع الفساد. فهذه الدلائل تدل من هذه الجهة على التوحيد فتكون كالتوكيد لما تقدم. وفيها أيضا رد على عبدة الأوثان من حيث إن الإله القادر على مثل هذه المخلوقات الشريفة كيف يجوز في العقل أن يعدل عن عبادته إلى عبادة حجر لا يضر ولا ينفع. فهذا وجه تعلق هذه الآية بما قبلها، واعلم أنه سبحانه وتعالى ذكر هاهنا ستة أنواع من الدلائل :
النوع الأول : قوله : أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ ابن كثير ألم ير بغير الواو والباقون بالواو وإدخال الواو يدل على العطف لهذا القول على أمر تقدمه. قال صاحب «الكشاف» : قرئ رتقا بفتح التاء، وكلاهما في معنى / المفعول كالخلق والنفض أي كانتا مرتوقتين، فإن قلت الرتق صالح أن يقع موقع مرتوقتين لأنه مصدر فما بال الرتق؟ قلت : هو على تقدير موصوف أي كانتا شيئا رتقا.
المسألة الثانية : لقائل أن يقول : المراد من الرؤية في قوله تعالى : أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا، إما الرؤية، وإما العلم والأول مشكل، أما أولا فلأن القوم ما رأوهما كذلك ألبتة، وأما ثانيا فلقوله سبحانه وتعالى : ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الكهف : ٥١]، وأما العلم فمشكل لأن الأجسام قابلة للفتق والرتق في أنفسها، فالحكم عليها بالرتق أولا وبالفتق ثانيا لا سبيل إليه إلا السمع، والمناظرة مع الكفار الذين ينكرون الرسالة، فكيف يجوز التمسك بمثل هذا الاستدلال. والجواب : المراد من الرؤية هو العلم وما ذكروه من