مفاتيح الغيب، ج ٢٢، ص : ١٤٩
وزن الأعمال طريقان. أحدهما : أن توزن صحائف الأعمال. والثاني : يجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة وفي كفة السيئات جواهر سود مظلمة فإن قيل : أهل القيامة إما أن يكونوا عالمين بكونه سبحانه وتعالى عادلا غير ظالم أو لا يعلمون ذلك. فإن علموا ذلك كان مجرد حكمة كافيا في معرفة أن الغالب هو الحسنات أو السيئات فلا يكون في وضع الميزان فائدة ألبتة، وإن لم يعلموا لم تحصل الفائدة في وزن الصحائف لاحتمال أنه سبحانه جعل إحدى الصحيفتين أثقل أو أخف ظلما فثبت أن وضع الميزان على كلا التقديرين خال عن الفائدة. وجوابه على قولنا قوله تعالى : لا يُسْئَلُ / عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ [الأنبياء : ٢٣] وأيضا ففيه ظهور حال الولي من العدو في مجمع الخلائق، فيكون لأحد القبيلين في ذلك أعظم السرور وللآخر أعظم الغم، ويكون ذلك بمنزلة نشر الصحف وغيره. إذا ثبت هذا فنقول : الدليل على وجود الموازين الحقيقية أن حمل هذا اللفظ على مجرد العدل مجاز وصرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز من غير ضرورة غير جائز، لا سيما وقد جاءت الأحاديث الكثيرة بالأسانيد الصحيحة في هذا الباب.
المسألة الثالثة : قال قوم : إن هذه الآية يناقضها قوله تعالى : فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً [الكهف : ١٠٥]، والجواب : أنه لا يكرمهم ولا يعظمهم.
المسألة الرابعة : إنما جمع الموازين لكثرة من توزن أعمالهم وهو جمع تفخيم، ويجوز أن يرجع إلى الموزونات.
أما قوله تعالى : وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها فالمعنى أنه لا ينقص من إحسان محسن ولا يزاد في إساءة مسيئ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرئ : مِثْقالَ حَبَّةٍ على كان التامة كقوله تعالى : وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ وقرأ ابن عباس رضي اللَّه عنهما آتينا بها وهي مفاعلة من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة لأنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء، وقرأ حميد : أثبنا بها من الثواب، وفي حرف أبي جئنا بها.
المسألة الثانية : لم أنت ضمير المثقال؟ قلنا : لإضافته إلى الحبة كقولهم ذهبت بعض أصابعه.
المسألة الثالثة : زعم الجبائي أن من استحق مائة جزء من العقاب فأتى بطاعة يستحق بها خمسين جزء من الثواب فهذا الأقل يتحبط بالأكثر ويبقى الأكثر كما كان. واعلم أن هذه الآية تبطل قوله لأن اللَّه تعالى تمدح بأن اليسير من الطاعة لا يسقط ولو كان الأمر كما قال الجبائي لسقطت الطاعة من غير فائدة.
المسألة الرابعة : قالت المعتزلة قوله : فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً فيه دلالة على أن مثل ذلك لو ابتدأه اللَّه تعالى لكان قد ظلم، فدل هذا الوجه على أنه تعالى لا يعذب من لا يستحق ولا يفعل المضار في الدنيا إلا للمنافع والمصالح. والجواب : الظلم هو التصرف في ملك الغير وذلك في حق اللَّه تعالى محال لأنه المالك المطلق، ثم الذي يدل على استحالة الظلم عليه عقلا أن الظلم عند الخصم مستلزم للجهل أو الحاجة المحالين على اللَّه تعالى ومستلزم المحال محال، فالظلم على اللَّه تعالى محال. وأيضا فإن الظالم سفيه خارج عن الإلهية فلو صح منه الظلم لصح خروجه عن الإلهية، فحينئذ يكون كونه إلها من الجائزات لا من الواجبات، وذلك يقدح في إلهيته.