مفاتيح الغيب، ج ٢٢، ص : ١٥٩
المسألة الأولى : قال أبو مسلم الأصفهاني في تفسير قوله تعالى : قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً المعنى أنه سبحانه جعل النار بردا وسلاما، لا أن هناك كلاما كقوله : أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ أي يكونه، وقد احتج عليه بأن النار جماد فلا يجوز خطابه، والأكثرون على أنه وجد ذلك القول. ثم هؤلاء لهم قولان : أحدهما : وهو قول سدي : أن القائل هو جبريل عليه السلام. والثاني : وهو قول الأكثرين أن القائل هو اللَّه تعالى، وهذا هو الأليق الأقرب بالظاهر، وقوله : النار جماد فلا / يكون في خطابها فائدة، قلنا : لم لا يجوز أن يكون المقصود من ذلك الأمر مصلحة عائدة إلى الملائكة.
المسألة الثانية : اختلفوا في أن النار كيف بردت على ثلاثة أقوال : أحدها : أن اللَّه تعالى أزال عنها ما فيها من الحر والإحراق، وأبقى ما فيها من الإضاءة والإشراق واللَّه على كل شيء قدير. وثانيها : أن اللَّه تعالى خلق في جسم إبراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار إليه، كما يفعل بخزنة جهنم في الآخرة، وكما أنه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة وبدن السمندل بحيث لا يضره المكث في النار. وثالثها : أنه سبحانه خلق بينه وبين النار حائلا يمنع من وصول أثر النار إليه، قال المحققون : والأول أولى لأن ظاهر قوله :
يا نارُ كُونِي بَرْداً أن نفس النار صارت باردة حتى سلم إبراهيم من تأثيرها، لا أن النار بقيت كما كانت، فإن قيل : النار جسم موصوف بالحرارة واللطافة، فإذا كانت الحرارة جزء من مسمى النار امتنع كون النار باردة، فإذا وجب أن يقال : المراد من النار الجسم الذي هو أحد أجزاء مسمى النار وذلك مجاز فلم كان مجازكم أولى من المجازين الآخرين؟ قلنا : المجاز الذي ذكرناه يبقى معه حصول البرد وفي المجازين اللذين ذكرتموهما لا يبقى ذلك فكان مجازنا أولى.
أما قوله تعالى : كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ فالمعنى أن البرد إذا أفرط أهلك كالحر بل لا بد من الاعتدال ثم في حصول الاعتدال ثلاثة أوجه : أحدها : أنه يقدر اللَّه تعالى بردها بالمقدار الذي لا يؤثر. وثانيها :
أن بعض النار صار بردا وبقي بعضها على حرارته فتعادل الحر والبرد. وثالثها : أنه تعالى جعل في جسمه مزيد حر فسلم من ذلك البرد بل قد انتفع به والتذ ثم هاهنا سؤالات :
السؤال الأول : أو كل النار زالت وصارت بردا. الجواب : أن النار هو اسم الماهية فلا بد وأن يحصل هذا البرد في الماهية ويلزم منه عمومه في كل أفراد الماهية، وقيل : بل اختص بتلك النار لأن الغرض إنما تعلق ببرد تلك النار وفي النار منافع للخلق فلا يجوز تعطيلها، والمراد خلاص إبراهيم عليه السلام لا إيصال الضرر إلى سائر الخلق.
السؤال الثاني : هل يجوز ما روي عن الحسن من أنه سلام من اللَّه تعالى على إبراهيم عليه السلام.
الجواب الظاهر كما أنه جعل النار بردا جعلها سلاما عليه حتى يخلص، فالذي قاله يبعد وفيه تشتيت الكلام المرتب.
السؤال الثالث : أفيجوز ما
روي من أنه لو لم يقل وسلاما لأتى البرد عليه.
والجواب : ذلك بعيد لأن برد النار لم يحصل منها وإنما حصل من جهة اللَّه تعالى فهو القادر على الحر والبرد فلا يجوز أن يقال : كان البرد يعظم لولا قوله سلاما.