مفاتيح الغيب، ج ٢٢، ص : ١٦٠
السؤال الرابع : أفيجوز ما قيل من أنه كان في النار أنعم عيشا منه في سائر أحواله. والجواب : لا يمتنع ذلك لما فيه من مزيد النعمة عليه وكمالها، ويجوز أن يكون إنما صار أنعم / عيشا هناك لعظم ما ناله من السرور بخلاصه من ذلك الأمر العظيم ولعظم شروره بظفره بأعدائه وبما أظهره من دين اللَّه تعالى.
أما قوله تعالى : وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ أي أرادوا أن يكيدوه فما كانوا إلا مغلوبين، غالبوه بالجدال فلقنه اللَّه تعالى الحجة المبكتة، ثم عدلوا القوة والجبروت فنصره وقواه عليهم، ثم إنه سبحانه أتم النعمة عليه بأن نجاه ونجى لوطا معه وهو ابن أخيه وهو لوط بن هاران إلى الأرض التي بارك فيها للعالمين.
وفي الأخبار أن هذه الواقعة كانت في حدود بابل فنجاه اللَّه تعالى من تلك البقعة إلى الأرض المباركة،
ثم قيل :
إنها مكة وقيل أرض الشام لقوله تعالى : إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ [الإسراء : ١] والسبب في بركتها، أما في الدين فلأن أكثر الأنبياء عليهم السلام بعثوا منها وانتشرت شرائعهم وآثارهم الدينية فيها، وأما في الدنيا فلأن اللَّه تعالى بارك فيها بكثرة الماء والشجر والثمر والخصب وطيب العيش، وقيل : ما من ماء عذب إلا وينبع أصله من تحت الصخرة التي ببيت المقدس.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٧٢ إلى ٧٣]
وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ (٧٢) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (٧٣)
اعلم أنه تعالى بعد ذكره لإنعامه على إبراهيم وعلى لوط بأن نجاهما إلى الأرض المباركة أتبعه بذكر غيره من النعم، وإنما جمع بينهما لأن في كون لوط معه مع ما كان بينهما من القرابة والشركة في النبوة مزيد إنعام، ثم إنه سبحانه ذكر النعم التي أفاضها على إبراهيم عليه السلام ثم النعم التي أفاضها على لوط، أما الأول فمن وجوه : أحدها : وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً واعلم أن النافلة العطية خاصة وكذلك النفل ويسمى الرجل الكثير العطايا نوفلا، ثم للمفسرين هاهنا قولان : الأول : أنه هاهنا مصدر من وهبنا له مصدر من غير لفظه ولا فرق بين ذلك وبين قوله : وَوَهَبْنا لَهُ هبة أي وهبناهما له عطية وفضلا من غير أن يكون جزاء مستحقا، وهذا قول مجاهد وعطاء. والثاني : وهو قول أبي بن كعب وابن عباس وقتادة والفراء والزجاج : أن إبراهيم عليه السلام لما سأل اللَّه ولدا قال : رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات : ١٠٠] فأجاب اللَّه دعاءه : ووهب له إسحاق وأعطاه يعقوب من غير دعائه فكان ذلك : نافِلَةً كالشيء المتطوع به من الآدميين فكأنه قال : ووهبنا له إسحاق إجابة لدعائه : ووهبنا له يعقوب نافلة على ما سأل كالصلاة النافلة التي هي زيادة على الفرض وعلى هذا النافلة يعقوب خاصة.
والوجه الأول : أقرب لأنه تعالى جمع بينهما، ثم ذكر قوله : نافِلَةً فإذا صلح أن يكون وصفا لهما فهو أولى.
النعمة الثانية : قوله تعالى : وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ أي وكلا من إبراهيم وإسحاق ويعقوب أنبياء مرسلين، هذا قول الضحاك وقال آخرون عاملين بطاعة اللَّه عز وجل مجتنبين محارمه.
والوجه الثاني : أقرب لأن لفظ الصلاح يتناول الكل لأنه سبحانه قال بعد هذه الآية : وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ


الصفحة التالية
Icon