مفاتيح الغيب، ج ٢٢، ص : ١٨٨
وحسرة، لأنهم ما وقعوا في ذلك العذاب إلا بسببهم والنظر إلى وجه العدو باب من العذاب «١». وثانيها : أن القوم قدروا أنهم يشفعون لهم في الآخرة في دفع العذاب، فإذا وجدوا الأمر على عكس ما قدروا لم يكن شيء أبغض إليهم منهم. وثالثها : أن إلقاءها في النار يجري مجرى الاستهزاء بعبادها. ورابعها : قيل ما كان منها حجرا أو حديدا يحمى ويلزق بعبادها، وما كان خشبا يجعل جمرة يعذب بها صاحبها.
أما قوله تعالى : حَصَبُ جَهَنَّمَ فالمراد يقذفون في نار جهنم فشبههم بالحصباء التي يرمى بها الشيء فلما رمى بها كرمي الحصباء، جعلهم حصب جهنم تشبيها، قال صاحب «الكشاف» : الحصب الرمي وقرئ بسكون الصاد وصفا بالمصدر، وقرئ حطب وحضب بالضاد المنقوطة متحركا وساكنا.
أما قوله تعالى : أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ فإنما جاز مجيء اللام في لها لتقدمها على الفعل تقول أنت لزيد ضارب كقوله تعالى : وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ [المؤمنون : ٨] وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ [المؤمنون : ٥] أي أنتم فيها داخلون، والمعنى أنه لا بد وأن تردوها ولا معدل لكم عن دخولها.
أما قوله تعالى : لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها فاعلم أن قوله : إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ بالأصنام أليق لدخول لفظة ما، وهذا الكلام بالشياطين أليق لقوله هؤلاء ويحتمل أن يريد / الشياطين والأصنام فيغلب بأن يذكروا بعبارة العقلاء، ونبه اللَّه تعالى على أن من يرمى إلى النار لا يمكن أن يكون إلها. وهاهنا سؤال : وهو أن قوله : لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها لكنهم وردوها فهم ليسوا آلهة حجة، وهذه الحجة إما أن يكون ذكرها لنفسه أو لغيره، فإن ذكرها لنفسه فلا فائدة فيه لأنه كان عالما بأنها ليست آلهة وإن ذكرها لغيره، فإما أن يذكرها لمن يصدق بنبوته أو لمن يكذب بنبوته، فإن ذكرها لمن صدق بنبوته فلا حاجة إلى هذه الحجة لأن كل من صدق بنبوته لم يقل بإلهية هذه الأصنام وإن ذكرها لمن يكذب بنبوته، فذلك المكذب لا يسلم أن تلك الآلهة يردون النار ويكذبونه في ذلك، فكان ذكر هذه الحجة ضائعا كيف كان، وأيضا فالقائلون بآلهيتها لم يعتقدوا فيها كونها مدبرة للعالم وإلا لكانوا مجانين، بل اعتقدوا فيها كونها تماثيل الكواكب أو صور الشفعاء، وذلك لا يمنع من دخولها في النار. وأجيب عن ذلك بأن المفسرين قالوا : المعنى لو كان هؤلاء يعني الأصنام آلهة على الحقيقة ما وردوها أي ما دخل عابدوها النار، ثم إنه سبحانه وصف ذلك العذاب بأمور ثلاثة : أحدها :
الخلود فقال : وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ يعني العابدين والمعبودين وهو تفسير لقوله : إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ. وثانيها : قوله : لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ قال الحسن : الزفير هو اللهيب، أي يرتفعون بسبب لهب النار حتى إذا ارتفعوا ورجوا الخروج ضربوا بمقامع الحديد فهووا إلى أسفلها سبعين خريفا، قال الخليل : الزفير أن يملأ الرجل صدره غما ثم يتنفس قال أبو مسلم وقوله لهم : عام لكل معذب، فنقول لهم : زفير من شدة ما ينالهم والضمير في قوله : وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ يرجع إلى المعبودين أي لا يسمعون صراخهم وشكواهم. ومعناه :
أنهم لا يغيثونهم وشبهه سمع اللَّه لمن حمده أي أجاب اللَّه دعاءه. وثالثها : قوله : وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ وفيه وجهان : أحدهما : أنه محمول على الأصنام خاصة على ما حكيناه عن أبي مسلم. والثاني : أنها محمولة على الكفار، ثم هذا يحتمل ثلاثة أوجه. أحدها : أن الكفار يحشرون صما كما يحشرون عميا زيادة في عذابهم.

(١) قال أبو الطيب المتنبي في هذا المعنى :
واحتمال الأذى ورؤية جالي ه غذاء تضوى به الأجسام


الصفحة التالية
Icon