مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٢١٤
والتبدل، فجميع الممكنات ساجدة بهذا المعنى للَّه تعالى أي خاضعة متذللة معترفة بالفاقة إليه والحاجة إلى تخليقه وتكوينه، وعلى هذا تأولوا قوله : وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء : ٤٤] وهذا قول القفال رحمه اللَّه. القول الثالث : أن سجود هذه الأشياء سجود ظلها كقوله تعالى : يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ [النحل : ٤٨] وهو قول مجاهد.
وأما قوله : كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ فقال ابن عباس في رواية عطاء (و كثير من الناس) يوحده (و كثير حق عليه العذاب) ممن لا يوحده، وروى عنه أيضا أنه قال (و كثير من الناس) في الجنة. وهذه الرواية تؤكد ما ذكرنا أن قوله : وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مبتدأ وخبره محذوف، وقال آخرون : الوقف على قوله : وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ثم استأنف فقال : وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ أي وجب بإبائه وامتناعه من السجود.
وأما قوله تعالى : وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ فالمعنى أن الذين حق عليهم العذاب ليس لهم أحد يقدر على إزالة ذلك الهوان عنهم فيكون مكرما لهم «١»، ثم بين بقوله : إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ أنه الذي يصح منه الإكرام والهوان يوم القيامة بالثواب والعقاب، واللَّه أعلم.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ١٩ إلى ٢٤]
هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٢٢) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٢٣)
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (٢٤)
القراءة : روي عن الكسائي خصمان بكسر الخاء، وقرئ قطعت بالتخفيف كان اللَّه يقدر «٢» لهم نيرانا على مقادير جثثهم تشتمل عليهم كما تقطع الثياب الملبوسة، قرأ الأعمش : كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم ردوا فيها الحسن يصهر بتشديد الهاء للمبالغة، وقرئ وَلُؤْلُؤاً بالنصب على تقدير ويؤتون لؤلؤا كقوله وحورا عينا ولؤلؤا بقلب الهمزة الثانية واوا، واعلم أنه سبحانه لما بين أن الناس قسمان منهم من يسجد للَّه ومنهم من حق عليه العذاب ذكر هاهنا كيفية اختصامهم، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : احتج من قال أقل الجمع اثنان بقوله : هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا، والجواب : الخصم صفة وصف بها الفوج أو الفريق فكأنه قيل : هذان فوجان أو فريقان يختصمان، فقوله : هذانِ للفظ واختصموا للمعنى كقوله : وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا [محمد : ١٦].

(١) في الأصل الأميري : فيكون مكرما ما لهم بتكرار لفظ ما.
(٢) هكذا في الأصل الأميري ولعل صواب العبارة هكذا (كأن يقدر اللَّه لهم نيرانا). [.....]


الصفحة التالية
Icon