مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٢١٨
الاحتكار عن مجاهد وسعيد بن جبير. وسادسها : المنع من عمارته. وسابعها : عن عطاء قول الرجل في المبايعة لا واللَّه وبلى واللَّه. وعن عبد اللَّه بن عمر أنه كان له فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل، فقيل له فقال : كنا نحدث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل لا واللَّه وبلى واللَّه.
وثامنها : وهو قول المحققين : أن الإلحاد بظلم عام في كل المعاصي، لأن كل ذلك صغر أم كبر يكون هناك أعظم منه في سائر البقاع حتى قال ابن مسعود رضي اللَّه عنه : لو أن رجلا بعدن هم بأن يعمل سيئة عند البيت أذاقه اللَّه عذابا أليما. وقال مجاهد : تضاعف السيئات فيه كما تضاعف الحسنات، فإن قيل كيف يقال ذلك مع أن قوله : نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ غير لائق بكل المعاصي قلنا لا نسلم، فإن كل عذاب يكون أليما، إلا أنه تختلف مراتبه على حسب اختلاف المعصية.
المسألة الثالثة : الباء في قوله : بِإِلْحادٍ فيه قولان : أحدهما : وهو الأولى وهو اختيار صاحب «الكشاف» أن قوله : بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ حالان مترادفان ومفعول يرد متروك ليتناول كل متناول كأنه قال ومن يرد فيه مرادا ما عادلا عن القصد ظالما نذقه من عذاب أليم، يعني أن الواجب على من كان فيه أن يضبط نفسه ويسلك طريق السداد والعدل في جميع ما يهم به ويقصده. الثاني : قال أبو عبيدة : مجازه ومن يرد فيه إلحادا والباء من حروف الزوائد.
المسألة الرابعة : لماكان الإلحاد بمعنى الميل من أمر إلى أمر بين اللَّه تعالى أن المراد بهذا الإلحاد ما يكون ميلا إلى الظلم، فلهذا قرن الظلم بالإلحاد لأنه لا معصية كبرت أم صغرت إلا وهو ظلم، ولذلك قال تعالى : إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان : ١٣].
أما قوله تعالى : نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ فهو بيان الوعيد وفيه مسائل :
المسألة الأولى : من قال الآية نزلت في ابن خطل قال : المراد بالعذاب أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قتله يوم الفتح، ولا وجه للتخصيص إذا أمكن التعميم، بل يجب أن يكون المراد العذاب في الآخرة لأنه من أعظم ما يتوعد به.
المسألة الثانية : أن هذه الآية تدل على أن المرء يستحق العذاب بإرادته للظلم كما يستحقه على عمل جوارحه.
المسألة الثالثة : ذكروا قولين في خبر إن المذكور في أول الآية : الأول : التقدير إن الذين كفروا ويصدون ومن يرد فيه بإلحاد نذقه من عذاب فهو عائد إلى كلتا الجملتين. الثاني : أنه محذوف لدلالة جواب الشرط عليه تقديره : إن الذين كفروا ويصدون عن المسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم. وكل من ارتكب فيه ذنبا فهو كذلك.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٢٦ إلى ٢٩]
وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩)


الصفحة التالية
Icon