مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٢٢٨
اعلم أنه تعالى لما بين ما يلزم الحج ومناسكه وما فيه من منافع الدنيا والآخرة، وقد ذكرنا من قبل أن الكفار صدوهم أتبع ذلك ببيان ما يزيل الصد ويؤمن معه التمكن من الحج فقال : إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا وفي مسائل :
المسألة الأولى : قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بالألف ومثله وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بغير ألف فيهما. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ بالألف وَلَوْلا دَفْعُ بغير ألف، فمن قرأ يدافع فمعناه يبالغ في الدفع عنهم، وقال الخليل يقال دفع اللَّه المكروه عنك دفعا ودافع عنك دفاعا والدفاع أحسنهما.
المسألة الثانية : ذكر إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ولم يذكر ما يدفعه حتى يكون أفحم وأعظم وأعم، وإن كان في الحقيقة أنه يدافع بأس المشركين. فلذلك قال بعده إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ فنبه بذلك على أنه يدفع عن المؤمنين كيد من هذا صفته.
المسألة الثالثة : قال مقاتل : إن اللَّه يدافع كفار مكة عن الذين آمنوا بمكة، هذا حين أمر المؤمنين بالكف عن كفار مكة قبل الهجرة حين آذوهم فاستأذنوا النبي صلى اللَّه عليه وسلم في قتلهم سرا فنهاهم.
المسألة الرابعة : هذه الآية بشارة للمؤمنين بإعلائهم على الكفار وكف بوائقهم عنهم وهي كقوله : لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً [آل عمران : ١١١] وقوله : إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا [غافر : ٥١] وقال : إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ [الصافات : ١٧٢] وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ [الصف : ١٣].
أما قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ فالمعنى أنه سبحانه جعل العلة في أنه يدافع / عن الذين آمنوا أن اللَّه لا يحب صدهم، وهو الخوان الكفور أي خوان في أمانة اللَّه كفور لنعمته ونظيره قوله : لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ [الأنفال : ٢٧] قال مقاتل أقروا بالصانع وعبدوا غيره فأي خيانة أعظم من هذه؟
أما قوله تعالى : أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ أهل المدينة والبصرة وعاصم في رواية حفص أُذِنَ بضم الألف والباقون بفتحها أي أذن اللَّه لهم في القتال، وقرأ أهل المدينة وعاصم يُقاتَلُونَ بنصب التاء، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي أذن بنصب ألف ويقاتلون بكسر التاء. قال الفراء والزجاج : يعني أذن اللَّه للذين يحرصون على قتال المشركين في المستقبل، ومن قرأ بفتح التاء فالتقدير أذن للذين يقاتلون في القتال.
المسألة الثانية : في الآية محذوف والتقدير أذن للذين يقاتلون في القتال فحذف المأذون فيه لدلالة يقاتلون عليه.
أما قوله : بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا فالمراد أنهم أذنوا في القتال بسبب كونهم مظلومين وهم أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان مشركو مكة يؤذونهم أذى شديدا وكانوا يأتون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بين مضروب ومشجوج يتظلمون


الصفحة التالية
Icon