مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٢٢٩
إليه فيقول لهم اصبروا فإني لم أومر بقتال حتى هاجر فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية وهي أول آية أذن فيها بالقتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية، وقيل نزلت في قوم خرجوا مهاجرين فاعترضهم مشركو مكة فأذن في مقاتلتهم.
أما قوله : وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ فذلك وعد منه تعالى بنصرهم كما يقول المرء لغيره إن أطعتني فأنا قادر على مجازاتك لا يعني بذلك القدرة بل يريد أنه سيفعل ذلك.
أما قوله تعالى : الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ فاعلم أنه تعالى لما بين أنهم إنما أذنوا في القتال لأجل أنهم ظلموا فبين ذلك الظلم بقوله : الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ فبين تعالى ظلمهم لهم بهذين الوجهين : أحدهما : أنهم أخرجوهم من ديارهم والثاني : أنهم أخرجوهم بسبب أنهم قالوا : ربنا اللَّه وكل واحد من الوجهين عظيم في الظلم، فإن قيل كيف استثنى من غير حق قولهم : رَبُّنَا اللَّهُ وهو من الحق؟ قلنا تقدير الكلام أنهم أخرجوا بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتمكين لا موجب الإخراج والتسيير، ومثله هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ [المائدة : ٥٩] ثم بين سبحانه بقوله : وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ أن عادته جل جلاله أن يحفظ دينه بهذا الأمر قرأ نافع لَهُدِّمَتْ بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد وهاهنا سؤالات :
السؤال الأول : ما المراد بهذا الدفاع الذي أضافه إلى نفسه؟ الجواب : هو إذنه لأهل دينه بمجاهدة الكفار فكأنه قال تعالى : ولولا دفاع اللَّه أهل الشرك بالمؤمنين، من حيث يأذن لهم في جهادهم وينصرهم على أعدائهم لاستولى أهل الشرك على أهل الأديان وعطلوا ما يبنونه من / مواضع العبادة، ولكنه دفع عن هؤلاء بأن أمر بقتال أعداء الدين ليتفرغ أهل الدين للعبادة وبناء البيوت لها، ولهذا المعنى ذكر الصوامع والبيع والصلوات وإن كانت لغير أهل الإسلام، وذكر المفسرون وجوها أخر : أحدها : قال الكلبي يدفع اللَّه بالنبيين عن المؤمنين وبالمجاهدين عن القاعدين عن الجهاد وثانيها : روى أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال يدفع اللَّه بالمحسن عن المسيء، وبالذي يصلي عن الذي لا يصلي، وبالذي يتصدق عن الذي لا يتصدق وبالذي يحج عن الذي لا يحج، وعن ابن عمر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم :«إن اللَّه يدفع بالمسلم الصالح عن مائة من أهل بيته ومن جيرانه» ثم تلا هذه الآية
وثالثها : قال الضحاك عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما يدفع بدين الإسلام وبأهله عن أهل الذمة ورابعها : قال مجاهد يدفع عن الحقوق بالشهود وعن النفوس بالقصاص.
السؤال الثاني : لما ذا جمع اللَّه بين مواضع عبادات اليهود والنصارى وبين مواضع عبادة المسلمين؟
الجواب : لأجل ما سألت عنه اختلفوا على وجوه : أحدها : قال الحسن المراد بهذه المواضع أجمع مواضع المؤمنين، وإن اختلفت العبارات عنها وثانيها : قول الزجاج ولولا دفع اللَّه الناس بعضهم ببعض لهدم في شرع كل نبي المكان الذي يصلي فيه، فلو لا ذلك الدفع لهدم في زمن موسى الكنائس التي كانوا يصلون فيها في شرعه، وفي زمن عيسى الصوامع، وفي زمن نبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلم المساجد فعلى هذا إنما دفع عنهم حين كانوا على الحق قبل التحريف وقبل النسخ وثالثها : بل المراد لهدمت هذه الصوامع في أيام الرسول صلى اللَّه عليه وسلم لأنها على كل حال يجري فيها ذكر اللَّه تعالى فليست بمنزلة عبادة الأوثان.
السؤال الثالث : ما الصوامع والبيع والصلوات والمساجد؟ الجواب : ذكروا فيها وجوها : أحدها :


الصفحة التالية
Icon