مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٢٩٤
السؤال الرابع : ما المراد بقوله كلا؟ الجواب : فيه قولان : أحدهما : أنه كالجواب لهم في المنع مما طلبوا، كما يقال لطالب الأمر المستبعد هيهات،
روي أنه عليه السلام قال لعائشة رضي اللَّه عنها :«إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا نرجعك إلى دار الدنيا فيقول إلى دار الهموم والأحزان لا بل قدوما على اللَّه، وأما الكافر فيقال له نرجعك فيقول ارجعون فيقال له إلى أي شيء ترغب إلى جمع المال أو غرس الغراس أو بناء البنيان أو شق الأنهار؟ فيقول لعلي أعمل صالحا فيما تركت فيقول الجبار : كلا»
الثاني : يحتمل أن يكون على وجه الإخبار بأنهم يقولون ذلك وأن هذا الخبر حق فكأنه قال : حقا إنها كلمة هو قائلها، والأقرب الأول.
أما قوله : إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها ففيه وجهان : الأول : أنه لا يخليها ولا يسكت عنها لاستيلاء الحسرة عليه الثاني : أنه قائلها وحده ولا يجاب إليها ولا يسمع منه.
أما قوله تعالى : وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فالبرزخ هو الحاجز والمانع كقوله في البحرين بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ [الرحمن : ٢٠] أي فهؤلاء صائرون إلى حالة مانعة من التلاقي حاجزة عن الاجتماع وذلك هو الموت، وليس المعنى أنهم يرجعون يوم البعث، إنما هو إقناط كلي لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلا إلى الآخرة.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١٠١ إلى ١٠٥]
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (١٠٤) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥)
اعلم أنه سبحانه لما قال : وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون : ١٠٠] ذكر أحوال ذلك اليوم فقال فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ وفيه ثلاثة أقوال : أحدها : أن الصور آلة إذا نفخ فيها يظهر صوت عظيم، جعله اللَّه تعالى علامة لخراب الدنيا ولإعادة الأموات،
روي عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قرن ينفخ فيه
وثانيها : أن المراد من الصور مجموع الصور، والمعنى فإذا نفخ في الصور أرواحها وهو قول الحسن فكان يقرأ بفتح الواو والفتح والكسر عن أبي رزين وهو حجة لمن فسر الصور بجمع صورة وثالثها : أن النفخ في الصور استعارة والمراد منه البعث والحشر، والأول أولى للخبر وفي قوله : ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى [الزمر : ٦٨] دلالة على أنه ليس المراد نفخ الروح والإحياء لأن ذلك لا يتكرر.
أما قوله : فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ فمن المعلوم أنه سبحانه إذا أعادهم فالأنساب ثابتة لأن المعاد هو الولد والوالد، فلا يجوز أن يكون المراد نفي النسب في الحقيقة بل المراد نفي حكمه. وذلك من وجوه : أحدها : أن من حق النسب أن يقع به التعاطف والتراحم كما يقال في الدنيا : أسألك باللَّه والرحم أن تفعل كذا. فنفى سبحانه ذلك من حيث إن كل أحد من أهل النار / يكون مشغولا بنفسه وذلك يمنعه من الالتفات إلى النسب، وهكذا الحال في الدنيا لأن الرجل متى وقع في الأمر العظيم من الآلام ينسى ولده ووالده


الصفحة التالية
Icon