مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٣١١
حقهن أكثر كان العذاب في حقهن أكثر، وقال في حق الرسول : لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ [الإسراء : ٧٤، ٧٥] وإنما عظمت معصيته لأن النعمة في حقه أعظم وهي نعمة النبوة، ومن المعلوم أن نعم اللَّه تعالى في حق المسلم المحصن أكثر منها في حق الذمي، فكانت معصية المسلم أعظم فوجب أن تكون عقوبته أشدو ثانيها : أن الذمي لم يزن بعد الإحصان فلا يجب عليه القتل بيان الأول :
قوله عليه السلام :«من أشرك باللَّه طرفة عين فليس بمحصن»
بيان الثاني : أن المسلم الذي لا يكون محصنا لا يجب عليه القتل
لقوله عليه السلام :«لا يحل دم امرئ مسلم إلا لإحدى ثلاث»
وإذا كان مسلم كذلك وجب أن يكون الذمي كذلك
لقوله عليه السلام :«إذا قبلوا عقد الجزية فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين»
وثالثها : أجمعنا على أن إحصان القذف يعتبر فيه الإسلام، فكان إحصان الرجم والجامع ما ذكرنا من كمال النعمة والجواب : عن الأول أنه خص عنه الثيب المسلم فكذا الثيب الذمي، وما ذكروه من حديث زيادة النعمة على المؤمنين فنقول نعمة الإسلام حصلت بكسب العبد فيصير ذلك كالخدمة الزائدة، وزيادة الخدمة إن لم تكن الإحصان سببا للعذر فلا أقل من أن لا تكون سببا لزيادة العقوبة، وعن الثاني لا نسلم أن الذمي مشرك سلمناه، لكن الإحصان قد يراد به التزوج لقوله تعالى : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ [النور :
٤٠] وفي التفسير : فَإِذا أُحْصِنَّ [النساء : ٢٥] يعني فإذا تزوجن إذا ثبت هذا فنقول الذمي الثيب محصن بهذا التفسير فوجب رجمه
لقوله صلى اللَّه عليه وسلم أو زنا بعد إحصان
رتب الحكم في حق المسلم على هذا الوصف فدل على كون الوصف علة والوصف قائم في حق الذمي فوجب كونه مستلزما للحكم بالرجم وعن الثالث أن حد القذف لدفع العار كرامة للمقذوف، والكافر لا يكون محلا للكرامة وصيانة العرض بخلاف ما هاهنا واللَّه أعلم، أما ما يتعلق بالجلد ففيه مسائل :
المسألة الأولى : اتفقوا على أن الرقيق لا يرجم واتفقوا على أنه يجلد، وثبت بنص الكتاب أن على الإماء نصف ما على المحصنات من العذاب، فلا جرم اتفقوا على أن الأمة تجلد خمسين جلدة، أما العبد فقد اتفق الجمهور على أنه يجلد أيضا خمسين إلا أهل الظاهر فإنهم قالوا عموم قوله : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي يقتضي وجوب المائة على العبد والأمة إلا أنه ورد النص بالتنصيف في حق الأمة، فلو قسنا العبد عليها كان ذلك تخصيصا لعموم الكتاب بالقياس وأنه غير جائز، ومنهم من قال الأمة إذا تزوجت فعليها خمسون جلدة وإذا لم تتزوج فعليها المائة، لظاهر قوله تعالى : فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وذكروا أن قوله : فَإِذا أُحْصِنَّ أي تزوجن فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ [النساء : ٢٥].
المسألة الثانية : قال الشافعي وأبو حنيفة رحمهما اللَّه، الذمي يجلد، وقال مالك رحمه اللَّه لا يجلد لنا وجوه : أحدها : عموم قوله : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي وثانيها :
قوله عليه السلام :«إذا زنت / أمة أحدكم فليجلدها»
وقوله :«أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم»
ولم يفرق بين الذمي والمسلم وثالثها : أنه عليه السلام رجم اليهوديين، فذاك الرجم إن من كان من شرع محمد صلى اللَّه عليه وسلم فقد حصل المقصود، وإن كان من شرعهم فلما فعله الرسول صلى اللَّه عليه وسلم صار ذلك من شرعه، وحقيقة هذه المسألة ترجع إلى أن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع.
البحث الرابع : فيما يدل على صدور الزنا منه، اعلم أن ذلك لا يحصل إلا من أحد ثلاثة أوجه، إما بأن يراه الإمام بنفسه أو بأن يقر أو بأن يشهد عليه الشهود، أما الوجه الأول : وهو ما إذا رآه الإمام قال الإمام محيي


الصفحة التالية
Icon