مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٣٤٤
الرابع : أنه منزه عن أن لا يعاقب هؤلاء القذفة الظلمة.
السؤال الثاني : لم أوجب عليهم أن يقولوا هذا بهتان عظيم مع أنهم ما كانوا عالمين بكونه كذبا قطعا؟
والجواب : من وجهين : الأول : أنهم كانوا متمكنين من العلم بكونه بهتانا، لأن زوجة الرسول لا يجوز أن تكون فاجرة الثاني : أنهم لما جزموا أنهم ما كانوا ظانين له بالقلب كان إخبارهم عن ذلك الجزم كذبا، ونظيره قوله :
وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ [المنافقون : ١].
[سورة النور (٢٤) : الآيات ١٧ إلى ١٨]
يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨)
النوع السادس [في قوله تعالى يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ] وهذا من باب الزواجر، والمعنى يعظكم اللَّه بهذه المواعظ التي بها تعرفون عظم هذا الذنب وأن فيه الحد والنكال في الدنيا والعذاب في الآخرة، لكي لا تعودوا إلى مثل هذا العمل أبدا وأبدهم ما داموا أحياء مكلفين، وقد دخل تحت ذلك من قال ومن سمع فلم ينكر، لأن حالهما سواء في أن فعلا ما لا يجوز وإن كان من أقدم عليه أعظم ذنبا، فبين أن الغرض بما عرفهم من هذه الطريقة أن لا يعودوا إلى مثل ما تقدم منهم وهاهنا مسائل :
المسألة الأولى : استدلت المعتزلة بقوله : إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ على أن ترك القذف من الإيمان وعلى أن فعل القذف لا يبقى معه الإيمان، لأن المعلق على الشرط عدم عند عدم الشرط والجواب : هذا معارض بقوله :
إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور : ١١] أي منكم أيها المؤمنون فدل ذلك على أن القذف لا يوجب الخروج عن الإيمان وإذا ثبت التعارض حملنا هذه الآية على التهييج في الاتعاظ والانزجار.
المسألة الثانية : قالت المعتزلة دلت هذه الآية على أنه تعالى أراد من جميع من وعظه مجانبه مثل ذلك في المستقبل وإن كان فيهم من لا يطيع، فمن هذا الوجه تدل على أنه تعالى يريد من كلهم الطاعة وإن عصوا، لأن قوله : يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا معناه لكي لا تعودوا لمثله وذلك دلالة الإرادة والجواب : عنه قد تقدم مرارا.
المسألة الثالثة : هل يجوز أن يسمى اللَّه تعالى واعظا لقوله : يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا؟ الأظهر أنه لا يجوز كما لا يجوز أن يسمى معلما لقوله : الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن : ١، ٢].
أما قوله تعالى : وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ فالمراد من الآيات ما به يعرف المرء ما ينبغي أن يتمسك به، ثم بين أنه لكونه عليما حكيما يؤثر بما يجب أن يبينه ويجب أن يطاع لأجل ذلك، لأن من لا يكون عالما لا يجب قبول تكليفه، لأنه قد يأمر بما لا ينبغي، ولأن / المكلف إذا أطاعه فقد لا يعلم أنه أطاعه، وحينئذ لا يبقى للطاعة فائدة، وأما من كان عالما لكنه لا يكون حكيما فقد يأمره بما لا ينبغي فإذا أطاعه المكلف فقد يعذب المطيع وقد يثيب العاصي، وحينئذ لا يبقى للطاعة فائدة، وأما إذا كان عليما حكيما فإنه لا يأمر إلا بما ينبغي ولا يهمل جزاء المستحقين، فلهذا ذكر هاتين الصفتين وخصهما بالذكر، وهاهنا سؤالات :


الصفحة التالية
Icon