مفاتيح الغيب، ج ٢٣، ص : ٣٤٥
الأول : الحكيم هو الذي لا يأتي بما لا ينبغي، وإنما يكون كذلك لو كان عالما بقبح القبيح وعالما بكونه غنيا عنه فيكون العليم داخلا في الحكيم، فكان ذكر الحكيم مغنيا عنه. هذا على قول المعتزلة، وأما على قول أهل السنة والجماعة فالحكمة هي العلم فقط، فذكر العليم الحكيم يكون تكرارا محضا الجواب : يحمل ذلك على التأكيد.
السؤال الثاني : قالت المعتزلة دلت الآية على أنه إنما يجب قبول بيان اللَّه تعالى لمجرد كونه عالما حكيما، والحكيم هو الذي لا يفعل القبائح فتدل الآية على أنه لو كان خالقا للقبائح لما جاز الاعتماد على وعده ووعيده والجواب : الحكم عندنا هو العليم، وإنما يجوز الاعتماد على قوله لكونه عالما بكل المعلومات، فإن الجاهل لا اعتماد على قوله ألبتة.
السؤال الثالث : قالت المعتزلة قوله : يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ أي لأجلكم، وهذا يدل على أن أفعاله معللة بالأغراض، ولأن قوله : لَكُمُ لا يجوز حمله على ظاهره لأنه ليس الغرض نفس ذواتهم بل الغرض حصول انتفاعهم وطاعتهم وإيمانهم، فدل هذا على أنه تعالى يريد الإيمان من الكل والجواب : المراد أنه سبحانه فعل بهم ما لو فعله غيره لكان ذلك غرضا.
[سورة النور (٢٤) : آية ١٩]
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩)
النوع السابع اعلم أنه سبحانه لما بين ما على أهل الإفك وما على من سمع منهم، وما ينبغي أن يتمسكوا به من آداب الدين أتبعه بقوله : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ ليعلم أن من أحب ذلك فقد شارك في هذا الذم كما شارك فيه من فعله ومن لم ينكره، وليعلم أن أهل الأفك كما عليهم العقوبة فيما أظهروه، فكذلك يستحقون العقاب بما أسروه من محبة إشاعة الفاحشة في المؤمنين، وذلك يدل على وجوب سلامة القلب للمؤمنين كوجوب كف الجوارح والقول عما يضربهم، وهاهنا مسائل :
المسألة الأولى : معنى الإشاعة الانتشار يقال في هذا العقار سهم شائع إذا كان في الجميع ولم يكن منفصلا، وشاع الحديث إذا ظهر في العامة.
المسألة الثانية : لا شك أن ظاهر قوله : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ يفيد العموم وأنه يتناول كل من كان بهذه الصفة، ولا شك أن هذه الآية نزلت في قذف عائشة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فوجب إجراؤها على ظاهرها في العموم، ومما يدل على أنه لا يجوز تخصيصها بقذفة عائشة قوله تعالى في : الَّذِينَ آمَنُوا فإنه صيغة جمع ولو أراد عائشة وحدها لم يجز ذلك، والذين خصصوه بقذفة عائشة منهم من حمله على عبد اللَّه بن أبي، لأنه هو الذي سعى في إشاعة الفاحشة قالوا معنى الآية : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ والمراد عبد اللَّه أن تشيع الفاحشة أي الزنا في الذين آمنوا أي في عائشة وصفوان.


الصفحة التالية
Icon