مفاتيح الغيب، ج ٢٤، ص : ٤٤٧
... أما قوله تعالى : أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قالت المعتزلة لو كان المراد من قوله : وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً الخبر لما ذكر عقيبه أَتَصْبِرُونَ لأن أمر العاجز غير جائز.
المسألة الثانية : المعنى أتصبرون على البلاء فقد علمتم ما وعد اللَّه الصابرين وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً أي هو العالم بمن يصبر ومن لا يصبر، فيجازي كلا منهم بما يستحقه من ثواب وعقاب.
المسألة الثالثة : قوله : أَتَصْبِرُونَ استفهام والمراد منه التقرير وموقعه بعد ذكر الفتنة موقع أيكم بعد الابتلاء في قوله : لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٢١ إلى ٢٤]
وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤)
اعلم أن قوله تعالى : وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا هو الشبهة الرابعة لمنكري نبوة محمد صلى اللَّه عليه وسلم وحاصلها : لم لم ينزل اللَّه الملائكة حتى يشهدوا أن محمدا محق في دعواه أَوْ نَرى رَبَّنا حتى يخبرنا بأنه أرسله إلينا؟ وتقرير هذه الشبهة أن من أراد تحصيل شيء، وكان له إلى تحصيله طريقان، أحدهما يفضي إليه قطعا والآخر قد يفضي وقد لا يفضي، فالحكيم يجب عليه في حكمته أن يختار في تحصيل ذلك المقصود الطريق الأقوى والأحسن، ولا شك أن إنزال الملائكة ليشهدوا بصدق محمد صلى اللَّه عليه وسلم أكثر إفضاء إلى المقصود، فلو أراد اللَّه تعالى تصديق محمد صلى اللَّه عليه وسلم لفعل ذلك وحيث لم يفعل ذلك علمنا أنه ما أراد تصديقه هذا حاصل الشبهة، ثم هاهنا مسائل :
المسألة الأولى : قال الفراء قوله تعالى : وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا معناه لا يخافون لقاءنا ووضع الرجاء في موضع الخوف لغة تهامية، إذا كان معه جحد، ومثله قوله تعالى : ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً [نوح : ١٣] أي لا تخافون له عظمة، وقال القاضي لا وجه لذلك، لأن الكلام متى أمكن حمله على الحقيقة لم يجز حمله على المجاز، ومعلوم أن من حال عباد الأصنام أنهم كما لا يخافون العقاب لتكذيبهم بالمعاد، فكذلك لا يرجون لقاءنا ووعدنا على الطاعة من الجنة والثواب، ومعلوم أن من / لا يرجو ذلك لا يخاف العقاب أيضا، فالخوف تابع لهذا الرجاء.
المسألة الثانية : المجسمة تمسكوا بقوله تعالى : لِقاءَنا أنه جسم وقالوا اللقاء هو الوصول يقال هذا الجسم لقي ذلك أي وصل إليه واتصل به، وقال تعالى : فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر : ١٢] فدلت الآية على أنه سبحانه جسم والجواب على طريقين الأول : طريق بعض أصحابنا قال المراد من اللقاء هو الرؤية، وذلك لأن الرائي يصل برؤيته إلى حقيقة المرئي فسمى اللقاء أحد أنواع الرؤية والنوع الآخر الاتصال والمماسة،


الصفحة التالية
Icon