مفاتيح الغيب، ج ٢٤، ص : ٤٦٨
بعد صيرورته مستعملا، وأيضا قوله : طَهُوراً يقتضي جواز التطهر به مرة بعد أخرى والثاني : أنه أمر بالغسل مطلقا في قوله : فَاغْسِلُوا [المائدة : ٦] واستعمال كل المائعات غسل، لأنه لا معنى للغسل إلا إمرار الماء على العضو، قال الشاعر :
فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها
فمن اغتسل بالماء المستعمل فقد أتى بالغسل، فوجب أن يكون مجزئا له لأنه أتى بما أمر به فوجب أن يخرج عن العهدة وأما السنة فما
روي أنه عليه السلام «توضأ فمسح رأسه بفضل ما في يده»
وعنه عليه السلام :«أنه توضأ فأخذ من بلل لحيته فمسح به رأسه»
وعن ابن عباس أنه عليه السلام :«اغتسل فرأى لمعة في جسده لم يصبها الماء، فأخذ شعرة عليها بلل فأمرها على تلك اللمعة».
وأما القياس فإنه ماء طاهر لقي جسدا طاهرا فأشبه ما إذا لقي حجارة أو حديدا، وكذا الماء المستعمل في الكرة الرابعة والمستعمل في التبرد والتنظيف، ولأنه لا خلاف أنه إذا وضع الماء على أعلى وجهه وسقط به فرض ذلك الموضع، ثم نزل ذلك الماء بعينه إلى بقية الوجه فإنه يجزيه مع أن ذلك الماء صار مستعملا في أعلى الوجه.
المسألة الثانية : الدليل على أن الماء المستعمل طاهر قوله تعالى : وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ومن السنة
أنه عليه السلام : أخذ من بلل لحيته ومسح به رأسه، وقال :«خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه أو لونه»
وقال الشافعي : إنه عليه السلام توضأ ولا شك أنه أصابه ما تساقط منه، ولم ينقل أنه غير ثوبه ولا أنه غسله، ولا أحد من المسلمين فعل ذلك، فثبت أنهم أجمعوا على أنه ليس بنجس، ولأنه ماء طاهر لقي جسما طاهرا فأشبه ما إذا لاقى حجارة.
المسألة الثالثة : الماء المستعمل إما أن يكون مستعملا في أعضاء الوضوء أو في غسل الثياب، أما المستعمل في أعضاء الوضوء فإما أن يكون مستعملا فيما كان فرضا وعبادة، أو فيما كان فرضا ولا يكون عبادة، أو فيما كان عبادة ولا يكون فرضا، أو فيما لا يكون فرضا ولا عبادة.
أما القسم الأول : وهو المستعمل فيما كان فرضا وعبادة فهو غير مطهر باتفاق أصحاب الشافعي.
وأما القسم الثاني : فهو كالماء الذي استعملته الذمية التي تحت الزوج المسلم، أي في غسل / حيضها ليحل للزوج غشيانها. وأما القسم الثالث : فهو كالماء المستعمل في الكرة الثانية والثالثة، والماء المستعمل في تجديد الوضوء، والماء المستعمل في الأغسال المسنونة، فلأصحاب الشافعي في هذين القسمين وجهان : وأما القسم الرابع : فهو كالماء المستعمل في الكرة الرابعة، وفي التبرد والتنظف، فذاك باتفاق أصحاب الشافعي غير مستعمل، وهو طاهر مطهر، أما الماء المستعمل في غسل الثياب، فإذا غسل ثوبا من نجاسة وطهر بغسلة واحدة، يستحب أن يغسله ثلاثا فالمنفصل في الكرة الثانية والثالثة مطهر على الأصح القسم الثاني : الماء الذي يتغير فنقول الماء إذا تغير، فإما أن يتغير بنفسه أو بغيره، أما الأول فكالمتغير بطول المكث فيجوز الوضوء به، لأنه عليه السلام كان يتوضأ من بئر (قضاعة) «١»، وكان ماؤها كأنه نقاعة الحناء، وأما المتغير بسبب غيره فذلك الغير إما أن لا يكون متصلا به أو يكون متصلا به. أما الذي لا يكون متصلا به فهو كما لو وقع بقرب الماء جيفة

(١) المعروف أنه من بئر بضاعة وهي بئر معروفة بالمدينة كان يطرح فيها خرق الحيض ولحوم الكلاب والمنتن.


الصفحة التالية
Icon