مفاتيح الغيب، ج ٢٤، ص : ٤٦٩
فصار الماء منتنا بسببها فهو أيضا مطهر، وأما إذا تغير بسبب شيء متصل به فذلك المتصل إما أن يكون طاهرا أو نجسا القسم الأول : إذا كان طاهرا فهو إما أن لا يخالطه أو يخالطه، فإن لم يخالطه فهو كالماء المتغير بسبب وقوع الدهن والطيب والعود والعنبر والكافور الصلب فيه وهذا أيضا مطهر كما لو كان بقرب الماء جيفة، ولأن الطهورية ثبتت بقوله : وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً والأصل في الثابت بقاؤه، وأما المتغير بسبب شيء يخالطه، فذلك المخالط إما أن لا يمكن صون الماء عنه أو يمكن، أما الذي لا يمكن فكالمتغير بالتراب والحمأة والأوراق التي تقع فيه والطحلب الذي يتولد فيه، وهذا أيضا مطهر، لأن الطهورية ثبتت بالآية والاحتراز عن ذلك عسير، فيكون مرفوعا لقوله : ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج : ٧٨] وكذا لو جرى الماء في طريقه على معدن زرنيخ أو نورة أو كحل أو وقع شيء منها فيه أو نبع من معادنها، أما إذا تغير الماء بسبب مخالطة ما يستغني الماء عن جنسه نظر إن كان التغير قليلا، بحيث لا يضاف الماء إليه بأن وقع فيه زعفران فاصفر قليلا، أو دقيق فابيض قليلا، جاز الوضوء به على الصحيح من المذهب، لأنه لم يسلبه إطلاق اسم الماء، وأما إن كان التغير كثيرا فإن استحدث اسما جديدا كالمرقة لم يجز الوضوء به بالاتفاق، وإن لم يستحدث اسما جديدا فعند الشافعي لا يجوز الوضوء به، وعند أبي حنيفةيجوز.
حجة الشافعي من وجوه : أحدها :
أنه عليه السلام توضأ ثم قال :«هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلا به»
فذلك الوضوء إن كان واقعا بالماء المتغير وجب أن لا يجوز إلا به، وبالاتفاق ليس الأمر كذلك، فثبت أنه كان بماء غير متغير وهو المطلوب وثانيها : أنه إذا اختلط ماء الورد بالماء ثم توضأ الإنسان به، فيحتمل أن بعض الأعضاء قد انغسل بماء الورد دون الماء، وإذا كان كذلك فقد وقع الشك في حصول الوضوء وكان تيقن الحدث قائما، والشك لا يعارض اليقين فوجب أن يبقى على الحدث، بخلاف ما إذا كان قليلا لا يظهر أثره فإنه صار كالمعدوم، / أما إذا ظهر أثره علمنا أنه باق فيتوجه ما ذكرناه وثالثها : أن الوضوء تعبد لا يعقل معناه، فإنه لو توضأ بماء الورد لا يصح وضوؤه ولو توضأ بالماء الكدر المتعفن صح وضوؤه. وما لا يعقل معناه وجب الاقتصار فيه على مورد النص وترك القياس.
حجة أبي حنيفة وجوه : أحدها : قوله تعالى : وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً دلت الآية على كون الماء مطهرا والأصل في الثابت بقاؤه، فوجب بقاء هذه الصفة بعد التغير بالمخالطة وثانيها : قوله تعالى : فَاغْسِلُوا [المائدة : ٦] أمر بمطلق الغسل وقد أتى به فوجب أن يخرج عن العهدة وقد بينا تقرير هذا الوجه فيما تقدم وثالثها : قوله تعالى : فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا [النساء : ٤٣] علق جواز التيمم بعدم وجدان الماء وواجد هذا الماء المتغير واجد للماء لأن الماء المتغير ماء مع صفة التغير، والموصوف موجود حال وجود الصفة، فوجب أن لا يجوز له التيمم ورابعها :
قوله عليه السلام في البحر :«هو الطهور ماؤه»
ظاهره يقتضي جواز الطهارة به وإن خالطه غيره، لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أطلق ذلك وخامسها : أنه عليه السلام أباح الوضوء بسؤر الهرة وسؤر الحائض وإن خالطه شيء من لعابهما وسادسها : لا خلاف في الوضوء بماء المدر والسيول مع تغير لونه بمخالطة الطين وما يكون في الصحارى من الحشيش والنبات، ومن أجل مخالطة ذلك له يرى تارة متغيرا إلى السواد وأخرى إلى الحمرة والصفرة فصار ذلك أصلا في جميع ما خالط الماء إذا لم يغلب عليه فيسلبه اسم الماء القسم الثاني :
إذا كان المخالط للماء شيئا نجسا فمن الناس من زعم أن الماء لا ينجس ما لم يتغير بالنجاسة سواء كان قليلا أو


الصفحة التالية
Icon