مفاتيح الغيب، ج ٢٤، ص : ٥٣٥
وإطنابهم فيها، ووجه آخر وهو أن يكون ذكرى متعلقة بأهلكنا مفعولا له، والمعنى وما أهلكنا من أهل قرية قوم ظالمين إلا بعد ما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم، وَما كُنَّا ظالِمِينَ فنهلك قوما غير ظالمين، وهذا الوجه عليه المعول، فإن قلت كيف عزلت الواو عن الجملة بعد إلا، ولم تعزل عنه في قوله : وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ [الحجر : ٤] قلت :
الأصل عزل الواو لأن الجملة صفة لقرية، وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة بالموصوف.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢١٠ إلى ٢١٣]
وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢) فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣)
اعلم أنه تعالى لما احتج على صدق محمد صلى اللَّه عليه وسلم بكون القرآن تنزيل رب العالمين، وإنما يعرف ذلك لوقوعه من الفصاحة في النهاية القصوى، ولأنه مشتمل على قصص المتقدمين من غير تفاوت، مع أنه عليه السلام لم يشتغل بالتعلم والاستفادة، فكان الكفار يقولون لم لا يجوز أن يكون هذا من إلقاء الجن والشياطين كسائر ما ينزل على الكهنة؟، فأجاب اللَّه تعالى عنه بأن ذلك لا يتسهل للشياطين لأنهم مرجومون بالشهب معزولون عن استماع كلام أهل السماء، ولقائل أن يقول العلم بكون الشياطين ممنوعين عن ذلك لا يحصل إلا بواسطة خبر النبي الصادق، فإذا أثبتنا كون / محمد صلى اللَّه عليه وسلم صادقا بفصاحة القرآن وإخباره عن الغيب، ولا يمكن إثبات كون الفصاحة والإخبار عن الغيب معجزا إلا إذا ثبت كون الشياطين ممنوعين عن ذلك، لزم الدور وهو باطل وجوابه : لا نسلم أن العلم بكون الشياطين ممنوعين عن ذلك لا يستفاد إلا من قول النبي، وذلك لأنا نعلم بالضرورة أن الاهتمام بشأن الصديق أقوى من الاهتمام بشأن العدو، ونعلم بالضرورة أن محمدا صلى اللَّه عليه وسلم كان يلعن الشياطين ويأمر الناس بلعنهم، فلو كان هذا الغيب إنما حصل من إلقاء الشياطين، لكان الكفار أولى بأن يحصل لهم مثل هذا العلم، فكان يجب أن يكون اقتدار الكفار على مثله أولى، فلما لم يكن كذلك علمنا أن الشياطين ممنوعون عن ذلك، وأنهم معزولون عن تعرف الغيوب، ثم إنه تعالى لما ذكر هذا الجواب ابتدأ بخطاب الرسول صلى اللَّه عليه وسلم فقال : فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وذلك في الحقيقة خطاب لغيره، لأن من شأن الحكيم إذا أراد أن يؤكد خطاب الغير أن يوجهه إلى الرؤساء في الظاهر، وأن كان المقصود بذلك هم الأتباع، ولأنه تعالى أراد أن يتبعه ما يليق بذلك، فلهذه العلة أفرده بالمخاطبة.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢١٤ إلى ٢٢٠]
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨)
وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠)


الصفحة التالية
Icon