مفاتيح الغيب، ج ٢٤، ص : ٥٨٣
الضحاك ومقاتل يعني أهل مصر لا يعلمون أن اللَّه وعدها برده إليها وثالثها : هذا كالتعريض بما فرط منها حين سمعت بخبر موسى عليه السلام فجزعت وأصبح فؤادها فارغا ورابعها : أن يكون المعنى إنا إنما رددناه إليها لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ والمقصود الأصلي من ذلك الرد هذا الغرض الديني، ولكن الأكثر لا يعلمون أن هذا هو الغرض الأصلي، وأن ما سواه من قرة العين وذهاب الحزن تبع، قال الضحاك لما قبل ثديها قال هامان إنك لأمه، قالت لا قال فما بالك قبل ثديك من بين النسوة قالت أيها الملك إني امرأة طيبة الريح حلوة اللبن ما شم ريحي صبي إلا أقبل على ثديي، قالوا صدقت فلم يبق أحد من آل فرعون إلا أهدى إليها وأتحفها بالذهب والجواهر.
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ١٤ إلى ١٧]
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧)
اعلم أن في قوله : بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى قولين : أحدهما : أنهما بمعنى واحد وهو استكمال القوة واعتدال المزاج والبنية والثاني : وهو الأصح أنهما معنيان متغايران ثم اختلفوا على وجوه : أحدها : وهو الأقرب أن الأشد عبارة عن كمال القوة الجسمانية البدنية، والاستواء عبارة عن كمال القوة العقلية وثانيها : الأشد عبارة عن كمال القوة، والاستواء عبارة عن كمال البنية والخلقة وثالثها : الأشد عبارة عن البلوغ، والاستواء عبارة عن كمال الخلقة ورابعها : قال ابن عباس الأشد ما بين الثمان عشرة سنة «١» إلى الثلاثين ثم من الثلاثين سنة إلى الأربعين يبقى سواء من غير زيادة ولا نقصان، ومن الأربعين يأخذ في النقصان، وهذا الذي قاله ابن عباس رضي اللَّه عنهما حق، لأن الإنسان يكون في أول العمر في النمو والتزايد ثم يبقى من غير زيادة ولا نقصان، ثم يأخذ في الانتقاص فنهاية مدة الازدياد من أول العمر إلى العشرين ومن العشرين إلى الثلاثين يكون التزايد قليلا والقوة قوية جدا ثم من الثلاثين إلى الأربعين يقف فلا يزداد ولا ينتقص ومن الأربعين إلى الستين يأخذ في الانتقاص الخفي، ومن الستين إلى آخر العمر يأخذ في الانتقاص البين الظاهر، ويروى أنه لم يبعث نبي إلا على رأس أربعين سنة
والحكمة فيه ظاهرة لأن الإنسان يكون إلى رأس الأربعين قواه الجسمانية من الشهوة والغضب والحس قوية مستكملة فيكون الإنسان منجذبا إليها فإذا انتهى إلى الأربعين أخذت القوى الجسمانية في الانتقاص، والقوة العقلية في الازدياد فهناك يكون الرجل أكمل ما يكون فلهذا السر اختار اللَّه تعالى هذا السن للوحي.
المسألة الثانية : اختلفوا في واحد الأشد، قال الفراء : الأشد واحدها شد في القياس ولم يسمع لها

(١) في الأصل : ما بين الثمانية عشر سنة، ولعله خطأ من الناسخ.


الصفحة التالية
Icon