مفاتيح الغيب، ج ٢٤، ص : ٥٨٤
بواحد. وقال أبو الهيثم : واحدة الأشد شدة، كما أن واحدة الأنعم نعمة، والشدة القوة والجلادة.
أما قوله : آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً ففيه وجهان الأول : أنها النبوة وما يقرن بها من العلوم والأخلاق، وعلى هذا التقدير ليس في الآية دليل على أن هذه النبوة كانت قبل قتل القبطي أو بعده، لأن الواو في قوله : وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ لا تفيد الترتيب الثاني : آتيناه الحكمة والعلم قال تعالى : وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب : ٣٤] وهذا القول أولى لوجوه : أحدها : أن النبوة أعلى الدرجات البشرية فلا بد وأن تكون مسبوقة بالكمال في العلم والسيرة المرضية التي هي / أخلاق الكبراء والحكماء وثانيها : أن قوله :
وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يدل على أنه إنما أعطاه الحكم والعلم مجازاة على إحسانه والنبوة لا تكون جزاء على العمل وثالثها : أن المراد بالحكم والعلم لو كان هو النبوة، لوجب حصول النبوة لكل من كان من المحسنين لقوله : وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ لأن قوله : وَكَذلِكَ إشارة إلى ما تقدم ذكره من الحكم والعلم، ثم بين إنعامه عليه قبل قتل القبطي. وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اختلفوا في المدينة فالجمهور على أنها هي المدينة التي كان يسكنها فرعون، وهي قرية على رأس فرسخين من مصر، وقال الضحاك : هي عين شمس.
المسألة الثانية : اختلفوا في معنى قوله : عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها على أقوال : فالقول الأول : أن موسى عليه السلام لما بلغ أشده واستوى وآتاه اللَّه الحكم والعلم في دينه ودين آبائه، علم أن فرعون وقومه على الباطل، فتكلم بالحق وعاب دينهم، واشتهر ذلك منه حتى آل الأمر إلى أن أخافوه وخافهم، وكان له من بني إسرائيل شيعة يقتدون به ويسمعون منه، وبلغ في الخوف بحيث ما كان يدخل مدينة فرعون إلا خائفا، فدخلها يوما على حين غفلة من أهلها، ثم الأكثرون على أنه عليه السلام دخلها نصف النهار وقت ما هم قائلون، وعن ابن عباس يريد بين المغرب والعشاء والأول أولى، لأنه تعالى أضاف الغفلة إلى أهلها، وإذا دخل المرء مستترا لأجل خوف، لا تضاف الغفلة إلى القوم القول الثاني : قال السدي : إن موسى عليه السلام حين كبر كان يركب مراكب فرعون، ويلبس مثل ما يلبس، ويدعى موسى ابن فرعون، فركب يوما في أثره فأدركه المقيل في موضع، فدخلها نصف النهار، وقد خلت الطرق، فهو قوله : عَلى حِينِ غَفْلَةٍ القول الثالث : قال ابن زيد :
ليس المراد من قوله : عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها حصول الغفلة في تلك الساعة، بل المراد الغفلة من ذكر موسى وأمره، فإن موسى حين كان صغيرا ضرب رأس فرعون بالعصا ونتف لحيته، فأراد فرعون قتله، فجيء بجمر فأخذه وطرحه في فيه، فمنه عقدة لسانه، فقال فرعون : لا أقتله، ولكن أخرجوه عن الدار والبلد، فأخرج ولم يدخل عليهم حتى كبر، والقوم نسوا ذكره وذلك قوله : عَلى حِينِ غَفْلَةٍ ولا مطمع في ترجيح بعض هذه الروايات على بعض، لأنه ليس في القرآن ما يدل على شيء منها.
المسألة الثالثة : قال تعالى : فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ، هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ قال الزجاج :
قال : هذا وهذا وهما غائبان على وجه الحكاية، أي وجد فيها رجلين يقتتلان، إذا نظر الناظر إليهما قال هذا من شيعته وهذا من عدوه، ثم اختلفوا فقال مقاتل : الرجلان كانا كافرين، إلا أن أحدهما من بني إسرائيل، والآخر من القبط، واحتج عليه بأن موسى عليه السلام قال له في اليوم الثاني إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ [القصص : ١٨] والمشهور أن الذي من شيعته كان مسلما، لأنه لا يقال فيمن يخالف الرجل في دينه وطريقه : إنه من شيعته،


الصفحة التالية
Icon