مفاتيح الغيب، ج ٢٤، ص : ٥٨٥
وقيل إن القبطي الذي سخر الإسرائيلي كان / طباخ فرعون، استسخره لحمل الحطب إلى مطبخه، وقيل الرجلان المقتتلان : أحدهما السامري وهو الذي من شيعته، والآخر طباخ فرعون واللَّه أعلم بكيفية الحال، فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه، أي سأله أن يخلصه منه واستنصره عليه، فوكزه موسى عليه السلام، الوكز الدفع بأطراف الأصابع، وقيل بجمع الكف. وقرأ ابن مسعود :(فلكزه موسى)، وقال بعضهم :
الوكز في الصدر واللكز في الظهر، وكان عليه السلام شديد البطش، وقال بعض المفسرين : فوكزه بعصاه، قال المفضل هذا غلط، لأنه لا يقال وكزه بالعصا فَقَضى عَلَيْهِ أي أماته وقتله.
المسألة الرابعة : احتج بهذه الآية من طعن في عصمة الأنبياء عليهم السلام من وجوه : أحدها : أن ذلك القبطي إما أن يقال إنه كان مستحق القتل أو لم يكن كذلك، فإن كان الأول فلم قال : هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ولم قال : رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ولم قال في سورة أخرى فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [الشعراء : ٢٠]؟ وإن كان الثاني وهو أن ذلك القبطي لم يكن مستحق القتل كان قتله معصية وذنبا وثانيها : أن قوله : وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ يدل على أنه كان كافرا حربيا فكان دمه مباحا فلم استغفر عنه، والاستغفار عن الفعل المباح غير جائز، لأنه يوهم في المباح كونه حراما؟ وثالثها : أن الوكز لا يقصد به القتل ظاهرا، فكان ذلك القتل قتل خطأ، فلم استغفر منه؟ والجواب : عن الأول لم لا يجوز أن يقال إنه كان لكفره مباح الدم.
أما قوله : هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ففيه وجوه : أحدها : لعل اللَّه تعالى وإن أباح قتل الكافر إلا أنه قال الأولى تأخير قتلهم إلى زمان آخر، فلما قتل فقد ترك ذلك المندوب فقوله : هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ معناه إقدامي على ترك المندوب من عمل الشيطان وثانيها : أن قوله (هذا) إشارة إلى عمل المقتول لا إلى عمل نفسه فقوله : هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ أي عمل هذا المقتول من عمل الشيطان، المراد منه بيان كونه مخالفا للَّه تعالى مستحقا للقتل وثالثها : أن يكون قوله (هذا) إشارة إلى المقتول، يعني أنه من جند الشيطان وحزبه، يقال فلان من عمل الشيطان، أي من أحزابه.
أما قوله : رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فعلى نهج قول آدم عليه السلام : رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الأعراف : ٢٣] والمراد أحد وجهين، إما على سبيل الانقطاع إلى اللَّه تعالى والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه، وإن لم يكن هناك ذنب قط، أو من حيث حرم نفسه الثواب بترك المندوب.
أما قوله : فَاغْفِرْ لِي أي فاغفر لي ترك هذا المندوب، وفيه وجه آخر، وهو أن يكون المراد رب إني ظلمت نفسي حيث قتلت هذا الملعون، فإن فرعون لو عرف ذلك لقتلني به فَاغْفِرْ لِي أي فاستره علي ولا توصل خبره إلى فرعون فَغَفَرَ لَهُ أي ستره عن الوصول إلى فرعون، ويدل على هذا التأويل أنه على عقبه قال : رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ولو كانت إعانة المؤمن هاهنا سببا للمعصية لما قال ذلك.
وأما قوله : فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ فلم يقل إني صرت بذلك ضالا، ولكن فرعون لما / ادعى أنه كان كافرا في حال القتل نفى عن نفسه كونه كافرا في ذلك الوقت، واعترف بأنه كان ضالا أي متحيرا لا يدري ما يجب عليه أن يفعله وما يدبر به في ذلك. أما قوله إن كان كافرا حربيا فلم استغفر عن قتله؟ قلنا كون الكافر مباح الدم أمر يختلف باختلاف الشرائع فلعل قتلهم كان حراما في ذلك الوقت، أو إن كان مباحا لكن الأولى تركه


الصفحة التالية
Icon