مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١٢٠
[الإسراء : ٧٠] في عبادة الخسيس أو لأنه وضع العبادة في غير موضعها وهي غير وجه اللّه وسبيله، وأما أنه عظيم فلأنه وضع في موضع ليس موضعه، ولا يجوز أن يكون موضعه، وهذا لأن من يأخذ مال زيد ويعطي عمرا يكون ظلما من حيث إنه وضع مال زيد في يد عمرو، ولكن جائز أن يكون ذلك ملك عمرو أو يصير ملكه ببيع سابق أو بتمليك لاحق، وأما الإشراك فوضع المعبودية في غير اللّه تعالى ولا يجوز أن يكون غيره معبودا أصلا. ثم قال تعالى :
[سورة لقمان (٣١) : آية ١٤]
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤)
لما منعه من العبادة لغير اللّه والخدمة قريبة منها في الصورة بين أنها غير ممتنعة، بل هي واجبة / لغير اللّه في بعض الصور مثل خدمة الأبوين، ثم بين السبب فقال : حَمَلَتْهُ أُمُّهُ يعني للّه على العبيد نعمة الإيجاد ابتداء بالخلق ونعمة الإبقاء بالرزق وجعل بفضله للأم ما له صورة ذلك وإن لم يكن لها حقيقة فإن الحمل به يظهر الوجود، وبالرضاع يحصل التربية والبقاء فقال حملته أمه أي صارت بقدرة اللّه سبب وجوده وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أي صارت بقدرته أيضا سبب بقائه، فإذا كان منها ما له صورة الوجود والبقاء وجب عليه ما له شبه العبادة من الخدمة، فإن الخدمة لها صورة العبادة، فإن قال قائل وصى اللّه بالوالدين وذكر السبب في حق الأم فنقول خص الأم بالذكر وفي الأب ما وجد في الأم فإن الأب حمله في صلبه سنين ورباه بكسبه سنين فهو أبلغ وقوله : أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ لما كان اللّه تعالى بفضله جعل من الوالدين صورة ما من اللّه، فإن الوجود في الحقيقة من اللّه وفي الصورة يظهر من الوالدين جعل الشكر بينهما فقال : أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ ثم بين الفرق وقال :
إِلَيَّ الْمَصِيرُ يعني نعمتهما مختصة بالدنيا ونعمتي في الدنيا والآخرة، فإن إلي المصير أو نقول لما أمر بالشكر لنفسه وللوالدين قال الجزاء علي وقت المصير إلي. ثم قال تعالى :
[سورة لقمان (٣١) : آية ١٥]
وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥)
يعني أن خدمتهما واجبة وطاعتهما لازمة ما لم يكن فيها ترك طاعة اللّه، أما إذا أفضى إليه فلا تطعهما، وقد ذكرنا تفسير الآية في العنكبوت، وقال هاهنا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ، يعني صاحبهما بجسمك فإن حقهما على جسمك، واتبع سبيل النبي عليه السلام بعقلك، فإنه مربي عقلك، كما أن الوالد مربي جسمك. ثم قال تعالى :
[سورة لقمان (٣١) : آية ١٦]
يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦)
لما قال : فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وقع لابنه أن ما يفعل في خفية يخفى فقال : يا بُنَيَّ إِنَّها أي الحسنة والسيئة إن كانت في الصغر مثل حبة خردل وتكون مع ذلك الصغر في موضع حريز كالصخرة لا تخفى على اللّه، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله : فَتَكُنْ بالفاء لإفادة الاجتماع يعني إن كانت صغيرة ومع صغرها تكون خفية


الصفحة التالية
Icon