مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١٣٠
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ [الإسراء : ١٢] وقوله : وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ [الأنعام : ١] وقوله :
وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [الجاثية : ٥] ومن جنسه قوله : خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك : ٢] وهذا إشارة إلى مسألة حكمية، وهي أن الظلمة قد يظن بها أنها عدم النور والليل عدم النور والليل عدم النهار والحياة عدم الموت وليس كذلك إذ في الأزل لم يكن نهار ولا نور ولا حياة لممكن ولا يمكن أن يقال كان فيه موت أو ظلمة أو ليل فهذه الأمور كالأعمى والأصم فالعمى والصمم ليس مجرد عدم البصر وعدم السمع إذ الحجر والشجر لا بصر لهما ولا سمع ولا يقال لشيء منهما إنه أصم أو أعمى إذا علم هذا فنقول ما يتحقق فيه العمى والصمم لا بد من أن يكون فيه اقتضاء لخلافهما وإلا لما كان يقال له أعمى وأصم وما يكون فيه اقتضاء شيء، ويترتب عليه مقتضاه / لا تطلب النفس له سببا، لأن من يرى المتعيش في السوق، لا يقول لم دخل السوق وما يثبت «١» على خلاف المقتضى تطلب النفس له سببا، كمن يرى ملكا في السوق يقول لم دخل، فإذن سبب العمى والصمم يطلبه كل واحد فيقول لم صار فلان أعمى ولا يقول لم صار فلان بصيرا، وإذا كان كذلك قدم اللّه تعالى ما تطلب النفس سببه وهو الليل الذي هو على وزان العمى والظلمة والموت لكون كل واحد طلبا سببه ثم ذكر بعده الأمر الآخر.
المسألة الثانية : قال : يُولِجُ بصيغة المستقبل وقال في الشمس والقمر سخر بصيغة الماضي لأن إيلاج الليل في النهار أمر يتجدد كل فصل بل كل يوم وتسخير الشمس والقمر أمر مستمر كما قال تعالى : حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [يس : ٣٩].
المسألة الثالثة : قدم الشمس على القمر مع تقدم الليل الذي فيه سلطان القمر على النهار الذي فيه سلطان الشمس لما بينا أن تقديم الليل كان لأن الأنفس تطلب سببه أكثر مما تطلب سبب النهار، وهاهنا كذلك، لأن الشمس لما كانت أكبر وأعظم كانت أعجب، والنفس تطلب سبب الأمر العجيب أكثر مما تطلب سبب الأمر الذي لا يكون عجيبا.
المسألة الرابعة : ما تعلق قوله تعالى : وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ بما تقدم؟ نقول لما كان الليل والنهار محل الأفعال بين أن ما يقع في هذين الزمانين اللذين هما بتصرف اللّه لا يخفى على اللّه.
المسألة الخامسة : قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون الخطاب مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وعليه الأكثرون، وكأنه ترك الخطاب مع غيره، لأن من هو غيره من الكفار لا فائدة للخطاب معهم لإصرارهم، ومن هو غيره من المؤمنين فهم مؤتمرون بأمر النبي عليه الصلاة والسلام ناظرون إليه الوجه الثاني : أن يقال المراد منه الوعظ والواعظ يخاطب ولا يعين أحدا فيقول لجمع عظيم : يا مسكين إلى اللّه مصيرك، فمن نصيرك، ولما ذا تقصيرك. فقوله : أَلَمْ تَرَ يكون خطابا من ذلك القبيل أي يا أيها الغافل ألم تر هذا الأمر الواضح. ثم قال تعالى :
[سورة لقمان (٣١) : آية ٣٠]
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠)
ولما ذكر تعالى أوصاف الكمال بقوله : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [لقمان : ٢٦] وقوله : إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لقمان : ٢٧] وقوله : إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [لقمان : ٢٨] وأشار إلى الإرادة والكمال بقوله :

(١) في النسخة الأميرية «و ما ينبت» ولعل ما ذكرته هو الأولى.


الصفحة التالية
Icon