مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١٤٣
وجوده وإنما كان ذلك حالة وجوده فقال يقولون يعني هم فيه، وأما إنكارهم للحشر كان سابقا صادرا منهم ومن آبائهم فقال وَقالُوا.
المسألة الثالثة : أنه تعالى صرح بذكر قولهم في الرسالة حيث قال : أَمْ يَقُولُونَ وفي الحشر حيث قال :
وَقالُوا أَإِذا ولم يصرح بذكر قولهم في الوحدانية، وذلك لأنهم كانوا مصرين في جميع الأحوال على إنكار الحشر والرسول، وأما الوحدانية فكانوا يعترفون بها في المعنى، ألا ترى أن اللّه تعالى قال : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان : ٢٥] فلم يقل قالوا إن اللّه ليس بواحد وإن كانوا قالوه في الظاهر.
المسألة الرابعة : لو قال قائل لما ذكر الرسالة ذكر من قبل دليلها وهو التنزيل الذي لا ريب فيه ولما ذكر الوحدانية ذكر دليلها وهو خلق السموات والأرض وخلق الإنسان من طين، ولما ذكر إنكارهم الحشر لم يذكر الدليل، نقول في الجواب : ذكر دليله أيضا وذلك لأن خلق الإنسان ابتداء دليل على قدرته على إعادته، ولهذا استدل اللّه على إمكان الحشر بالخلق الأول كما قال : ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم : ٢٧] وقوله : قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس : ٧٩] وكذلك خلق السموات كما قال تعالى : أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى [يس : ٨١، ٨٢].
وقوله تعالى : أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أي أإنا كائنون في خلق جديد أو واقعون فيه بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ إضراب عن الأول يعني ليس إنكارهم لمجرد الخلق ثانيا بل يكفرون بجميع أحوال الآخرة حتى لو صدقوا بالخلق الثاني لما اعترفوا بالعذاب والثواب، أو نقول معناه لم ينكروا البعث لنفسه بل لكفرهم، فإنهم أنكروه فأنكروا المفضى إليه، ثم بين ما يكون لهم من الموت إلى العذاب. فقال تعالى :
[سورة السجده (٣٢) : آية ١١]
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١)
يعني لا بد من الموت ثم من الحياة بعده وإليه الإشارة بقوله : ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ وقوله : الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ إشارة إلى أنه لا يغفل عنكم وإذا جاء أجلكم لا يؤخركم إذ لا شغل له إلا هذا وقوله : يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ ينبئ عن بقاء الأرواح فإن التوفي الاستيفاء والقبض هو الأخذ والإعدام المحض ليس بأخذ، ثم إن الروح الزكي الطاهر يبقى عند الملائكة مثل الشخص بين أهله / المناسبين له والخبيث الفاجر يبقى عندهم كأسير بين قوم لا يعرفهم ولا يعرف لسانهم، والأول ينمو ويزيد ويزداد صفاؤه وقوته والآخر يذبل ويضعف ويزداد شقاؤه وكدورته، والحكماء يقولون إن الأرواح الطاهرة تتعلق بجسم سماوي خير من بدنها وتكمل به، والأرواح الفاجرة لا كمال لها بعد التعلق الثاني فإن أرادوا ما ذكر بها فقد وافقونا وإلا فيغير النظر في ذلك بحسب إرادتهم فقد يكون قولهم حقا وقد يكون غير حق، فإن قيل هم أنكروا الإحياء واللّه ذكر الموت وبينهما مباينة نقول فيه وجهان أحدهما : أن ذلك دليل الإحياء ودفع استبعاد ذلك فإنهم قالوا : ما عدم بالكلية كيف يكون الموجود عين ذلك؟ فقال : الملك يقبض الروح والأجزاء تتفرق فجمع الأجزاء لا بعد فيه، وأمر الملك برد ما قبضه لا صعوبة فيه أيضا، فقوله : قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ أي الأرواح معلومة فترد إلى أجسادها. ثم قال تعالى :
[سورة السجده (٣٢) : آية ١٢]
وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢)


الصفحة التالية
Icon