مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١٤٦
المسألة الأولى : قوله : فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ لقاء يحتمل أن يكون منصوبا بذوقوا، أي ذوقوا لقاء يومكم بما نسيتم، وعلى هذا يحتمل أن يكون المنسي هو الميثاق الذي أخذ منهم بقوله : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الأعراف : ١٧٢] أو بما في الفطرة من الوحدانية فينسى بالإقبال على الدنيا والاشتغال بها ويحتمل أن يكون منصوبا بقوله : نَسِيتُمْ أي بما نسيتم لقاء هذا اليوم ذوقوا، وعلى هذا لو قال قائل النسيان لا يكون إلا في المعلوم أولا إذا جهل آخرا نالأحزاب
سبعون وثلاث آيات وهي مدينة بإجماع بسم اللّه الرحمن الرحيم
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١)
قوله تعالى : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ. وفي تفسير الآية مسائل :
الأولى : في الفرق بين النداء والمنادى بقوله يا رجل ويا أيها الرجل، وقد قيل فيه ما قيل ونحن نقول قول القائل يا رجل يدل على النداء وقوله يا أيها الرجل يدل على ذلك أيضا وينبئ عن خطر خطب المنادى له أو غفلة المنادى أما الثاني : فمذكور وأما الأول : فلأن قوله :(يا أي) جعل المنادى غير معلوم أولا فيكون كل سامع متطلعا إلى المنادى فإذا خص واحدا كان في ذلك إنباء الكل لتطلعهم إليه، وإذا قال يا زيد أو يا رجل لا يلتفت إلى جانب المنادى إلا المذكور إذا علم هذا فنقول يا أَيُّهَا لا يجوز حمله على غفلة النبي لأن قوله النَّبِيُّ ينافي الغفلة لأن النبي عليه السلام خبير فلا يكون غافلا فيجب حمله على خطر الخطب.
المسألة الثانية : الأمر بالشيء لا يكون إلا عند عدم اشتغال المأمور بالمأمور به إذ لا يصلح أن يقال للجالس اجلس وللساكت اسكت والنبي عليه السلام كان متقيا فما الوجه فيه؟ نقول فيه وجهان : أحدهما :
منقول وهو أنه أمر بالمداومة فإنه يصح أن يقول القائل للجالس اجلس هاهنا إلى أن أجيئك، ويقول القائل للساكت قد أصبت فاسكت تسلم، أي دم على ما أنت عليه والثاني : وهو معقول لطيف، وهو أن الملك يتقي منه عباده على ثلاثة أوجه بعضهم يخاف من عقابه وبعضهم يخاف من قطع ثوابه وثالث يخاف من احتجابه فالنبي لم يؤمر بالتقوى بالمعنى الأول ولا بالمعنى الثاني، وأما الثالث فالمخلص لا يأمنه مادام في الدنيا.
وكيف والأمور الدنيوية شاغلة والآدمي في الدنيا تارة مع اللّه، وأخرى مقبل على ما لا بد منه، وإن كان معه اللّه وإلى هذا إشارة بقوله : إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ [فصلت : ٦] يعني يرفع الحجاب عني وقت الوحي ثم أعود إليكم كأني منكم فالأمر بالتقوى يوجب استدامة الحضور الوجه الثاني : هو أن النبي عليه الصلاة والسلام كل لحظة كان يزداد علمه ومرتبته حتى كان حاله فيما مضى بالنسبة إلى ما هو فيه تركا للأفضل، فكان له في كل ساعة تقوى متجددة فقوله : اتَّقِ اللَّهَ على هذا أمر بما ليس فيه وإلى هذا أشار عليه الصلاة والسلام
بقوله :/ «من استوى يوماه فهو مغبون»
ولأنه طلب من ربه بأمر اللّه إياه به زيادة العلم حيث قال : وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي


الصفحة التالية
Icon