مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١٥٤
عِلْماً
[طه : ١١٤] وأيضا إلى هذا وقعت الإشارة
بقوله عليه الصلاة والسلام :«إنه ليغان على قلبي فأستغفر اللّه في اليوم سبعين مرة»
يعني يتجدد له مقام يقول الذي أتيت به من الشكر والعبادة لم يكن شيئا، إذا علم هذا فالنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بحكم إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [فصلت : ٦] كان قد وقع له خوف ما يسير من جهة ألسنة الكفار والمنافقين ومن أيديهم بدليل قوله تعالى : وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ [الأحزاب : ٣٧] فأمره اللّه بتقوى أخرى فوق ما يتقيه بحيث تنسيه الخلق ولا يريد إلا الحق وزاد اللّه به درجته فكان ذلك بشارة له، في يا أَيُّهَا النَّبِيُّ أنت ما بقيت في الدرجة التي يقنع منك بتقوى، مثل تقوى الآحاد أو تقوى الأوتاد بل لا يقنع منك إلا بتقوى تنسيك نفسك ألا ترى أن الإنسان إذا كان يخاف فوت مال إن هجم عليه غاشم يقصد قتله يذهل عن المال ويهرب ويتركه، فكذلك النبي عليه الصلاة والسلام أمر بمثل هذه التقوى ومع هذه التقوى لا يبقى الخوف من أحد غير اللّه وخرج هذا مخرج قول القائل لمن يخاف زيد أو عمرا خف عمرا فإن زيدا لا يقدر عليك إذا كان عمرو معك فلا يكون ذلك أمرا بالخوف من عمرو فإنه يخاف وإنما يكون ذلك نهيا عن الخوف من زيد في ضمن الأمر بزيادة الخوف من عمرو حتى ينسيه زيدا.
ثم قوله تعالى : وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ يقرر قولنا أي اتق اللّه تقوى تمنعك من طاعتهم.
المسألة الثالثة : لم خص الكافرين والمنافقين بالذكر مع أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ينبغي أن لا يطيع أحدا غير اللّه؟
نقول لوجهين أحدهما : أن ذكر الغير لا حاجة إليه لأن غيرهما لا يطلب من النبي عليه الصلاة والسلام الاتباع، ولا يتوقع أن يصير النبي عليه السلام مطيعا له بل يقصد اتباعه ولا يكون عنده إلا مطاعا والثاني : هو أنه تعالى لما قال : وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ منعه من طاعة الكل لأن كل من طلب من النبي عليه الصلاة والسلام طاعته فهو كافر أو منافق لأن من يأمر النبي عليه الصلاة والسلام بأمر أمر إيجاب معتقدا على أنه لو لم يفعله يعاقبه بحق يكون كافرا.
ثم قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً إشارة إلى أن التقوى ينبغي أن تكون عن صميم قلبك لا تخفى في نفسك تقوى غير اللّه كما يفعله الذي يرى من نفسه الشجاعة حيث يخاف في نفسه ويتجلد فإن التقوى من اللّه وهو عليم، وقوله : حَكِيماً إشارة إلى دفع وهم متوهم وهو أن متوهما لو قال إذا قال اللّه شيئا وقال جميع الكافرين والمنافقين مع أنهم أقارب النبي عليه الصلاة والسلام شيئا آخر ورأوا المصلحة فيه وذكروا وجها معقولا فاتباعهم لا يكون إلا مصلحة فقال اللّه / تعالى إنه حكيم ولا تكون المصلحة إلى في قول الحكيم، فإذا أمرك اللّه بشيء فاتبعه ولو منعك أهل العالم عنه. وقوله تعالى :
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢ إلى ٤]
وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٢) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٣) ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤)
يقرر ما ذكرنا من أنه حكيم فاتباعه هو الواجب، ثم قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً لما قال إنه عليم بما في قلوب العباد بين أنه عالم خبير بأعمالكم فسووا قلوبكم وأصلحوا أعمالكم. ثم قال تعالى :


الصفحة التالية
Icon