مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١٦٧
كَرِيماً
وصف رزق الآخرة بكونه كريما، مع أن الكريم لا يكون إلا وصفا للرزاق إشارة إلى معنى لطيف، وهو أن الرزق في الدنيا مقدر على أيدي الناس، التاجر يسترزق من السوقة، والمعاملين والصناع من المستعملين، والملوك من الرعية والرعية منهم، فالرزق في الدنيا لا يأتي بنفسه، وإنما هو مسخر للغير يمسكه ويرسله إلى الأغيار. وأما في الآخرة فلا يكون له مرسل وممسك في الظاهر فهو الذي يأتي بنفسه، فلأجل هذا لا يوصف في الدنيا بالكريم إلا الرزاق، وفي الآخرة يوصف بالكريم نفس الرزق.
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٢]
يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٣٢)
ثم قال تعالى : يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ لما ذكر أن عذابهن ضعف عذاب غيرهن وأجرهن مثلا أجر غيرهن صرن كالحرائر بالنسبة إلى الإماء، فقال : لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ ومعنى قول القائل ليس فلان كآحاد الناس، يعني ليس فيه مجرد كونه إنسانا، بل وصف أخص موجود فيه، وهو كونه عالما أو عاملا أو نسيبا أو حسيبا، فإن الوصف الأخص إذا وجد لا يبقى التعريف بالأعم، فإن من عرف رجلا ولم يعرف منه غير كونه رجلا يقول رأيت رجلا فإن عرف علمه يقول رأيت زيدا أو عمرا، فكذلك قوله تعالى : لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ يعني فيكن غير ذلك أمر لا يوجد في غيركن وهو كونكن أمهات جميع المؤمنين وزوجات خير المرسلين، وكما أن محمدا عليه السلام ليس كأحد من الرجال، كما
قال عليه السلام :«لست كأحدكم»
كذلك قرائبه اللاتي يشرفن به وبين الزوجين نوع من الكفاءة.
ثم قوله تعالى : إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون متعلقا بما قبله على معنى لستن كأحد إن اتقيتن فإن الأكرم عند اللّه هو الأتقى وثانيهما : أن يكون متعلقا بما بعده على معنى إن اتقيتن فلا تخضعن واللّه تعالى لما منعهن من الفاحشة وهي الفعل القبيح منعهن من مقدماتها وهي المحادثة مع الرجال والانقياد في الكلام للفاسق. ثم قوله تعالى : فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ أي فسق وقوله تعالى :
وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً أي ذكر اللّه، وما تحتجن إليه / من الكلام واللّه تعالى لما قال : فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ذكر بعده وَقُلْنَ إشارة إلى أن ذلك ليس أمرا بالإيذاء والمنكر بل القول المعروف وعند الحاجة هو المأمور به لا غيره. ثم قال تعالى :
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٣]
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (٣٣)
قوله تعالى : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ من القرار وإسقاط أحد حرفي التضعيف كما قال تعالى : فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة : ٦٥] وقيل بأنه من الوقار كما يقال وعد يعد عد وقول : وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى قيل معناه لا تتكسرن ولا تتغنجن، ويحتمل أن يكون المراد لا تظهرن زينتكن وقوله تعالى : الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى فيه وجهان أحدهما : أن المراد من كان في زمن نوح والجاهلية الأخرى من كان بعده وثانيهما : أن هذه ليست أولى تقتضي أخرى بل معناه تبرج الجاهلية القديمة كقول القائل : أين الأكاسرة الجبابرة الأولى.


الصفحة التالية
Icon