مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١٦٨
ثم قال تعالى : وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعني ليس التكليف في النهي فقط حتى يحصل بقوله تعالى : فَلا تَخْضَعْنَ، ولا تَبَرَّجْنَ بل فيه وفي الأوامر ف أَقِمْنَ الصَّلاةَ التي هي ترك التشبه بالجبار المتكبر وَآتِينَ الزَّكاةَ التي هي تشبه بالكريم الرحيم وَأَطِعْنَ اللَّهَ أي ليس التكليف منحصرا في المذكور بل كل ما أمر اللّه به فأتين به وكل ما نهى اللّه عنه فانتهين عنه.
ثم قال تعالى : إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
يعني ليس المنتفع بتكليفكن هو اللّه ولا تنفعن اللّه فيما تأتين به. وإنما نفعه لكن وأمره تعالى إياكن لمصلحتكن، وقوله تعالى : لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ فيه لطيفة وهي أن الرجس قد يزول عينا ولا يطهر المحل فقوله تعالى : لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أي يزيل عنكم الذنوب ويطهركم أى يلبسكم خلع الكرامة، ثم إن اللّه تعالى ترك خطاب المؤنثات وخاطب بخطاب المذكرين بقوله : لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ليدخل فيه نساء أهل بيته ورجالهم، واختلفت الأقوال في أهل البيت، والأولى أن يقال هم أولاده وأزواجه والحسن والحسين منهم وعلي منهم لأنه كان من أهل بيته بسبب معاشرته ببنت النبي عليه السلام وملازمته للنبي.
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٤]
وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (٣٤)
ثم قال تعالى : وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ أي القرآن وَالْحِكْمَةِ أي كلمات النبي عليه السلام إشارة إلى ما ذكرنا من أن التكاليف غير منحصرة في الصلاة والزكاة، وما ذكر اللّه في هذه الآية فقال : وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى ليعلمن الواجبات كلها فيأتين بها، والمحرمات بأسرها فينتهين عنها.
[و قوله ] : إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً إشارة إلى أنه خبير بالبواطن، لطيف فعلمه يصل إلى كل شيء ومنه اللطيف الذي يدخل في المسام الضيقة ويخرج من المسالك المسدودة.
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٥]
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٣٥)
ثم قال تعالى : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ لما أمرهن ونهاهن وبين ما يكون لهن وذكر لهن عشر مراتب الأولى : الإسلام والانقياد لأمر اللّه والثانية : الإيمان بما يرد به أمر اللّه، فإن المكلف أولا يقول كل ما يقوله أقبله فهذا إسلام، فإذا قال اللّه شيئا وقبله صدق مقالته وصحح اعتقاده فهو إيمان ثم اعتقاده يدعوه إلى الفعل الحسن والعمل الصالح فيقنت ويعبد وهو المرتبة الثالثة : المذكورة بقوله : وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ ثم إذا آمن وعمل صالحا كمل فيكمل غيره ويأمر بالمعروف وينصح أخاه فيصدق في كلامه عند النصيحة وهو المراد بقوله : وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ ثم إن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يصيبه أذى فيصبر عليه كما قال تعالى : وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ ثم إنه إذا كمل وكمل قد يفتخر بنفسه ويعجب بعبادته


الصفحة التالية
Icon