مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ٢١٠
ثم بين حال المسيء بقوله :
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٣٨]
وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨)
وقد ذكرنا تفسيره، وقوله : أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ إشارة إلى الدوام أيضا كما قال تعالى :
كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها [السجدة : ٢٠] وكما قال تعالى : وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ [الإنفطار : ١٦].
ثم قال تعالى مرة أخرى :
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٣٩]
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩)
إشارة إلى أن نعيم الآخرة لا ينافي نعمة الدنيا، بل الصالحون قد يحصل لهم في الدنيا النعم مع القطع بحصول النعيم لهم في العقبى بناء على الوعد، قطعا لقول من يقول : إذا كانت العاجلة لنا والآجلة لهم فالنقد أولى، فقال هذا النقد غير مختص بكم / فإن كثيرا من الأشقياء مدقعون، وكثير من الأتقياء ممتعون وفيه مسائل :
الأولى : ذكر هذا المعنى مرتين : مرة لبيان أن كثرة أموالهم وأولادهم غير دالة على حسن أحوالهم واعتقادهم، ومرة لبيان أنه غير مختص بهم كأنه قال وجود الترف لا يدل على الشرف، ثم إن سلمنا أنه كذلك لكن المؤمنين سيحصل لهم ذلك، فإن اللّه يملكهم دياركم وأموالكم، والذي يدل عليه هو أن اللّه تعالى لم يذكر أولا لمن يشاء من عباده، بل قال لمن يشاء، وثانيا قال لمن يشاء من عباده، والعباد المضافة يراد بها المؤمن، ثم وعد المؤمن بخلاف ما للكافر، فإن الكافر دابره مقطوع، وماله إلى الزوال، ومآله إلى الوبال. وأما المؤمن فما ينفقه يخلفه اللّه، ومخلف اللّه خير، فإن ما في يد الإنسان في معرض البوار والتلف وهما لا يتطرقان إلى ما عند اللّه من الخلف، ثم أكد ذلك بقوله : وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [الجمعة : ١١] وخيرية الرازق في أمور أحدها :
أن لا يؤخر عن وقت الحاجة والثاني : أن لا ينقص عن قدر الحاجة والثالث : أن لا ينكده بالحساب والرابع : أن لا يكدره بطلب الثواب واللّه تعالى كذلك.
أما الأول : فلأنه عالم وقادر والثاني : فلأنه غني واسع والثالث : فلأنه كريم، وقد ذكر ذلك بقوله : يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ [البقرة : ٢١٢] وما ذكرنا هو المراد، أي يرزقه حلالا لا يحاسبه عليه والرابع : فلأنه علي كبير والثواب يطلبه الأدنى من الأعلى، ألا ترى أن هبة الأعلى من الأدنى لا تقتضي ثوابا.
المسألة الثانية : قوله تعالى : وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ يحقق معنى قوله عليه الصلاة والسلام :
«ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان، يقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر اللهم اعط ممسكا تلفا» وذلك لأن اللّه تعالى ملك علي وهو غني ملي، فإذا قال أنفق وعلى بدله فبحكم الوعد يلزمه، كما إذا قال قائل : ألق متاعك في البحر وعلى ضمانه، فمن أنفق فقد أتى بما هو شرط حصول البدل فيحصل البدل، ومن لم ينفق فالزوال لازم للمال ولم يأت بما يستحق عليه من البدل فيفوت من غير خلف وهو التلف، ثم إن