مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٢٢٢
بعدهما زيادة، وقال قوم فيه إن الجناح إشارة إلى الجهة، وبيانه هو أن اللّه تعالى ليس فوقه شيء، وكل شيء فهو تحت قدرته ونعمته، والملائكة لهم وجه إلى اللّه يأخذون منه نعمه ويعطون من دونهم مما يأخذوه بإذن اللّه، كما قال تعالى : نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ [الشعراء : ١٩٣، ١٩٤] وقوله : عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى [النجم : ٥] وقال تعالى في حقهم : فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً [النازعات : ٥] فهما جناحان، وفيهم من يفعل ما يفعل من الخير بواسطة، وفيهم من يفعله لا بواسطة، فالفاعل بواسطة فيه ثلاث جهات، ومنهم من له أربع جهات وأكثر، والظاهر ما ذكرناه أولا وهو الذي عليه إطباق المفسرين.
وقوله تعالى : يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ من المفسرين من خصصه وقال المراد الوجه الحسن، ومنهم من قال الصوت الحسن، ومنهم من قال كل وصف محمود، والأولى أن يعمم، ويقال اللّه تعالى قادر كامل يفعل ما يشاء فيزيد ما يشاء وينقص ما يشاء.
وقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقرر قوله : يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ
[سورة فاطر (٣٥) : آية ٢]
ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢)
ثم قال تعالى : ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ.
لما بين كمال القدرة ذكر بيان نفوذ المشيئة ونفاذ الأمر، وقال ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ يعني إن رحم فلا مانع له، وإن لم يرحم فلا باعث له عليها، وفي الآية دليل على سبق رحمته غضبه من وجوه : أحدها التقديم حيث قدم بيان فتح أبواب الرحمة في الذكر، وهو وإن كان ضعيفا لكنه وجه من وجوه الفضل وثانيها : هو أن أنث الكناية في الأول فقال : ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وجاز من حيث العربية أن يقال له ويكون عائدا إلى ما، ولكن قال تعالى : لَها ليعلم أن المفتوح أبواب الرحمة ولا ممسك لرحمته فهي وصلة إلى من رحمته، وقال عند الإمساك وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ بالتذكير ولم يقل لها فما صرح بأنه لا مرسل للرحمة، بل ذكره بلفظ يحتمل أن يكون الذي لا يرسل هو غير الرحمة فإن قوله تعالى : وَما يُمْسِكْ عام من غير بيان وتخصيص بخلاف قوله تعالى : ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فإنه مخصص مبين وثالثها : قوله :
مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد اللّه، فاستثنى هاهنا وقال لا مرسل له إلا اللّه فنزل له مرسلا. وعند الإمساك / الإمساك قال لا ممسك لها، ولم يقل غير اللّه لأن الرحمة إذا جاءت لا ترتفع فإن من رحمه اللّه في الآخرة لا يعذبه بعدها هو ولا غيره، ومن يعذبه اللّه فقد يرحمه اللّه بعد العذاب كالفساق من أهل الإيمان.
ثم قال تعالى : وَهُوَ الْعَزِيزُ أي كامل القدرة الْحَكِيمُ أي كامل العلم.
[سورة فاطر (٣٥) : آية ٣]
يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣)
ثم قال تعالى : يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ لما بين أن الحمد للّه وبين بعض وجوه النعمة التي تستوجب الحمد على سبيل التفصيل بين نعمه على سبيل الإجمال فقال : اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ وهي مع كثرتها منحصرة في قسمين نعمة الإيجاد، ونعمة الإبقاء.