مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٢٢٦
...... [المنافقون : ٨] فقوله : جَمِيعاً يدل على أن لا عزة لغيره فنقول قوله : فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ أي في الحقيقة وبالذات وقوله : وَلِرَسُولِهِ أي بواسطة القرب من العزيز وهو اللّه وللمؤمنين بواسطة قربهم من العزيز باللّه وهو الرسول، وذلك لأن عزة المؤمنين بواسطة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ألا ترى قوله تعالى : إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران : ٣١].
المسألة الثانية : قوله : إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ تقرير لبيان العزة، وذلك لأن الكفار كانوا يقولون نحن لا نعبد من لا نراه ولا نحضر عنده، لأن البعد من الملك ذلة، فقال تعالى : إن كنتم لا تصلون إليه، فهو يسمع كلامكم ويقبل الطيب فمن قبل كلامه وصعد إليه فهو عزيز ومن رد كلامه في وجهه فهو ذليل، وأما هذه الأصنام لا يتبين عندها الذليل من العزيز إذ لا علم لها فكل أحد يمسها وكذلك يرى عملكم فمن عمل صالحا رفعه إليه، ومن عمل سيئا رده عليه فالعزيز من الذي عمله لوجهه والذليل من يدفع الذي عمله في وجهه، وأما هذه الأصنام فلا تعلم شيئا فلا عزيز يرفع عندها ولا ذليل، فلا عزة بها بل عليها ذلة، وذلك لأن ذلة السيد ذلة للعبد ومن كان معبوده وربه وإلهه حجارة أو خشبا ماذا يكون هو!.
المسألة الثالثة : في قوله : إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وجوه : أحدها : كلمة لا إله إلا اللّه هي الطيبة وثانيها : سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر طيب ثالثها : هذه الكلمات الأربع وخامسة وهي تبارك اللّه والمختار أن كل كلام هو ذكر اللّه أو هو للّه كالنصيحة والعلم، فهو إليه يصعد.
المسألة الرابعة : قوله تعالى : وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وفي الهاء وجهان أحدهما : هي عائدة إلى الكلم الطيب أي العمل الصالح هو الذي يرفعه الكلم الطيب
ورد في الخبر «لا يقبل اللّه قولا بلا عمل»
وثانيهما : هي عائدة إلى العمل الصالح وعلى هذا في الفاعل الرافع وجهان : أحدهما : هو الكلم الطيب أي الكلم الطيب يرفع العمل الصالح، وهذا يؤيده قوله تعالى : مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النحل : ٩٧] وثانيهما : الرافع هو اللّه تعالى.
المسألة الخامسة : ما وجه ترجيح الذكر على العمل على الوجه الثاني حيث يصعد الكلم / بنفسه ويرفع العمل بغيره، فنقول الكلام شريف، فإن امتياز الإنسان عن كل حيوان بالنطق ولهذا قال تعالى : وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ [الإسراء : ٧٠] أي بالنفس الناطقة والعمل حركة وسكون يشترك فيه الإنسان وغيره، والشريف إذا وصل إلى باب الملك لا يمنع ومن دونه لا يجد الطريق إلا عند الطلب ويدل على هذا أن الكافر إذا تكلم بكلمة الشهادة إن كان عن صدق أمن عذاب الدنيا والآخرة، وإن كان ظاهرا أمن في نفسه ودمه وأهله وحرمه في الدنيا ولا كذلك العمل بالجوارح، وقد ذكرنا ذلك في تفسير قوله تعالى : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [البقرة : ٨٢]، ووجه آخر : القلب هو الأصل وقد تقدم ما يدل عليه، وقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم :«ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»
وما في القلب لا يظهر إلا باللسان وما في اللسان لا يتبين صدقه إلا بالفعل، فالقول أقرب إلى القلب من الفعل، ألا ترى أن الإنسان لا يتكلم بكلمة إلا عن قلب، وأما الفعل قد يكون لا عن قلب كالعبث باللحية ولأن النائم لا يخلو عن فعل من حركة وتقلب وهو في أكثر الأمر لا يتكلم في نومه إلا نادرا، لما ذكرنا إن الكلام بالقلب ولا كذلك العمل، فالقول أشرف.


الصفحة التالية
Icon