مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٢٤٥
تكن شركاء للّه، وإنما هم جعلوها شركاء، فقال شركاءكم، أي الشركاء بجعلكم ويحتمل أن يقال شركاءكم، أي شركاءكم في النار لقوله : إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الأنبياء : ٩٨] وهو قريب، ويحتمل أن يقال هو بعيد لاتفاق المفسرين على الأول وقوله : أَرُونِي بدل عن أَرَأَيْتُمْ لأن كليهما يفيد معنى أخبروني، ويحتمل أن يقال قوله : أَرَأَيْتُمْ استفهام حقيقي وأَرُونِي أمر تعجيز للتبيين، فلما قال :
أَرَأَيْتُمْ يعني أعلمتم هذه التي تدعونها كما هي وعلى ما هي عليه من العجز أو تتوهمون فيها قدرة، فإن كنتم تعلمونها عاجزة فكيف تعبدونها؟ وإن كان وقع لكم أن لها قدرة فأروني قدرتها في أي شيء هي، أهي في الأرض، كما قال بعضهم : إن اللّه إله السماء وهؤلاء آلهة الأرض، وهم الذين قالوا أمور الأرض من الكواكب والأصنام صورها؟ أم هي في السموات، كما قال بعضهم : إن السماء خلقت باستعانة الملائكة والملائكة شركاء في خلق السموات، وهذه الأصنام صورها؟ أم قدرتها في الشفاعة لكم، كما قال بعضهم إن الملائكة ما خلقوا شيئا ولكنهم مقربون عند اللّه فنعبدها ليشفعوا لنا، فهل معهم كتاب من اللّه فيه إذنه لهم بالشفاعة؟ وقوله : أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً في العائد إليه الضمير وجهان أحدهما : أنه عائد إلى الشركاء، أي هل أتينا الشركاء كتابا وثانيهما : أنه عائد إلى المشركين، أي هل آتينا المشركين كتابا وعلى الأول فمعناه ما ذكرنا، أي هل مع ما جعل شريكا كتاب من اللّه فيه أن له شفاعة عند اللّه، فإن أحدا لا يشفع عنده إلا بإذنه، وعلى الثاني معناه أن عبادة هؤلاء إما بالعقل ولا عقل لمن يعبد من لم يخلق من الأرض جزءا من الأجزاء ولا في السماء شيئا من الأشياء، وإما بالنقل ونحن ما آتينا المشركين كتابا فيه أمرنا بالسجود لهؤلاء ولو أمرنا لجاز كما أمرنا بالسجود لآدم وإلى جهة الكعبة، فهذه العبادة لا عقلية ولا نقلية فوعد بعضهم بعضا ليس إلا غرورا غرهم الشيطان وزين لهم عبادة الأصنام.
[سورة فاطر (٣٥) : آية ٤١]
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤١)
ويحتمل أن يقال لما بين شركهم قال مقتضى شركهم زوال السموات والأرض كما قال تعالى : تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا / لِلرَّحْمنِ وَلَداً [مريم : ٩٠، ٩١] ويدل على هذا قوله تعالى في آخر الآية : إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً كان حليما ما ترك تعذيبهم إلا حلما منه وإلا كانوا يستحقون إسقاط السماء وانطباق الأرض عليهم وإنما أخر إزالة السموات إلى قيام الساعة حلما، وتحتمل الآية وجها ثالثا :
وهو أن يكون ذلك من باب التسليم وإثبات المطلوب على تقدير التسليم أيضا كأنه تعالى قال شركاؤكم ما خلقوا من الأرض شيئا ولا في السماء جزءا ولا قدروا على الشفاعة، فلا عبادة لهم. وهب أنهم فعلوا شيئا من الأشياء فهل يقدرون على إمساك السموات والأرض؟ ولا يمكنهم القول بأنهم يقدرون لأنهم ما كانوا يقولون به، كما قال تعالى عنهم : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان : ٢٥] ويؤيد هذا قوله : وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فإذا تبين أن لا معبود إلا اللّه من حيث إن غيره لم يخلق من الأشياء وإن قال الكافر بأن غيره خلق فما خلق مثل ما خلق فلا شريك له إنه كان حليما غفورا، حليما حيث لم يعجل في إهلاكهم بعد إصرارهم على إشراكهم وغفورا يغفر لمن تاب ويرحمه وإن استحق العقاب. ثم قال تعالى :


الصفحة التالية
Icon