مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٢٧١
وقوله : أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ بدل في المعنى عن قوله : كَمْ أَهْلَكْنا وذلك لأن معنى : كَمْ أَهْلَكْنا ألم يروا كثرة إهلاكنا، وفيه معنى، ألم يروا المهلكين الكثيرين أنهم إليهم لا يرجعون، وحينئذ يكون كبدل الاشتمال، لأن قوله : أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ حال من أحوال المهلكين، أي أهلكوا بحيث لا رجوع لهم إليهم فيصير كقولك : ألا ترى زيدا أدبه، وعلى هذا فقوله : أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ فيه وجهان أحدهما :
أهلكوا إهلاكا لا رجوع لهم إلى من في الدنيا وثانيهما : هو أنهم لا يرجعون إليهم، أي الباقون لا يرجعون إلى المهلكين بنسب ولا ولادة، يعني أهلكناهم وقطعنا نسلهم، ولا شك في أن الإهلاك الذي يكون مع قطع النسل أتم وأعم، والوجه الأول أشهر نقلا، والثاني أظهر عقلا، ثم قال تعالى :
[سورة يس (٣٦) : آية ٣٢]
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢)
لما بين الإهلاك بين أنه ليس من أهلكه اللّه تركه، بل بعده جمع وحساب وحبس وعقاب، ولو أن من أهلك ترك لكان الموت راحة، ونعم ما قال القائل :
ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعده عن كل شي ء
وقوله : وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا في إن وجهان أحدهما : أنها مخففة من الثقيلة واللام في لما فارقة بينها وبين النافية، وما زائدة مؤكدة في المعنى، والقراءة حينئذ بالتخفيف في لما وثانيهما : أنها نافية ولما بمعنى إلا، قال سيبويه : يقال نشدتك باللّه لما فعلت، بمعنى إلا فعلت، والقراءة حينئذ بالتشديد في لما، يؤيد هذا ما روي أن أبيا قرأ وما كل إلا جميع وفي قول سيبويه : لما بمعنى إلا وارد معنى مناسب وهو أن لما كأنها حرفا نفي جمعا وهما لم وما فتأكد النفي، ولهذا يقال في / جواب من قال قد فعل لما يفعل، وفي جواب من قال فعل لم يفعل، وإلا كأنها حرفا نفي إن ولا فاستعمل أحدهما مكان الآخر، قال الزمخشري : فإن قال قائل كل وجميع بمعنى واحد، فكيف جعل جميعا خبرا لكل حيث دخلت اللام عليه، إذ التقدير وإن كل لجميع، نقول معنى جميع مجموع، ومعنى كل كل فرد بحيث لا يخرج عن الحكم أحد، فصار المعنى كل فرد مجموع مع الآخر مضموم إليه، ويمكن أن يقال محضرون، يعني عما ذكره، وذلك لأنه لو قال : وإن جميع لجميع محضرون، لكان كلاما صحيحا ولم يوجد ما ذكره من الجواب، بل الصحيح أن محضرون كالصفة للجميع، فكأنه قال جميع جميع محضرون، كما يقال الرجل رجل عالم، والنبي نبي مرسل، والواو في وَإِنْ كُلٌّ لعطف الحكاية على الحكاية، كأنه يقول بينت لك ما ذكرت، وأبين أن كلا لدينا محضرون، وكذلك الواو في قوله تعالى :
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٣٣ إلى ٣٥]
وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥)
كأنه يقول : وأقول أيضا آية لهم الأرض الميتة وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ما وجه تعلق هذا بما قبله؟ نقول مناسب لما قبله من وجهين أحدهما : أنه لما قال :


الصفحة التالية
Icon