مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٣٤٣
تناقض؟ قلنا لا يبعد أن يقال إن جماعة / عرفوه فعمدوا إليه مسرعين. والأكثرون ما عرفوه فتعرفوا أن ذلك الكاسر من هو، واللّه أعلم.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٩٥ إلى ١٠١]
قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩)
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١)
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن القوم لما عاتبوا إبراهيم على كسر الأصنام فهو أيضا ذكر لهم الدليل الدال على فساد المصير إلى عبادتها فقال : أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ووجه الاستدلال ظاهر وهو أن الخشب والحجر قبل النحت والإصلاح ما كان معبودا للإنسان ألبتة، فإذا نحته وشكله على الوجه المخصوص لم يحدث فيه إلا آثار تصرفه، فلو صار معبودا عند ذلك لكان معناه أن الشيء الذي ما كان معبودا لما حصلت آثار تصرفاته فيه صار معبودا عند ذلك، وفساد ذلك معلوم ببديهة العقل.
المسألة الثانية : احتج جمهور الأصحاب بقوله : وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ على أن فعل العبد مخلوق للّه تعالى فقال النحويون : اتفقوا على أن لفظ ما مع ما بعده في تقدير المصدر فقوله : وَما تَعْمَلُونَ معناه وعملكم، وعلى هذا التقدير صار معنى الآية واللّه خلقكم وخلق عملكم، فإن قيل هذه الآية حجة عليكم من وجوه الأول : أنه تعالى قال : أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ أضاف العبادة والنحت إليهم إضافة الفعل إلى الفاعل ولو كان ذلك واقعا بتخليق اللّه لاستحال كونه فعلا للعبد الثاني : أنه تعالى إنما ذكر هذه الآية توبيخا لهم على عبادة الأصنام، لأنه تعالى بين أنه خالقهم وخالق لتلك الأصنام والخالق هو المستحق للعبادة دون المخلوق، فلما تركوا عبادته سبحانه وهو خالقهم وعبدوا الأصنام لا جرم أنه سبحانه وتعالى وبخهم على هذا الخطأ العظيم فقال : أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ولو لم يكونوا فاعلين لأفعالهم لما جاز توبيخهم عليها سلمنا أن هذه الآية ليست حجة عليكم لكن لا نسلم أنها حجة لكم، قوله لفظة ما مع ما بعدها في تقدير المصدر، قلنا هذا ممنوع وبيانه أن سيبويه والأخفش اختلفا في أنه هل يجوز أن يقال أعجبني / ما قمت أي قيامك فجوزه سيبويه ومنعه الأخفش وزعم أن هذا لا يجوز إلا في الفعل المتعدي وذلك يدل على أن ما مع ما بعدها في تقدير المفعول عند الأخفش، سلمنا أن ذلك قد يكون بمعنى المصدر، لكنه أيضا قد يكون بمعنى المفعول ويدل عليه وجوه الأول : قوله : أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ والمراد بقوله : ما تَنْحِتُونَ المنحوت لا النحت لأنهم ما عبدوا النحت وإنما عبدوا المنحوت فوجب أن يكون المراد بقوله : ما تَعْمَلُونَ المعمول لا


الصفحة التالية
Icon