مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٣٦١
فيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما ذكر الدلائل على فساد مذهب الكفار أتبعه بما نبه به على أن هؤلاء الكفار لا يقدرون على حمل أحد على الضلال إلا إذا كان قد سبق حكم اللّه في حقه بالعذاب والوقوع في النار، وذكر صاحب «الكشاف» في قوله : فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ قولين الأول : الضمير في عَلَيْهِ للّه عز وجل معناه فإنكم ومعبوديكم ما أنتم وهو جميعا بفاتنين على اللّه إلا أصحاب النار الذين سبق في علم اللّه كونهم من أهل النار، فإن قيل كيف يفتنونهم على اللّه؟ قلنا يفتنونهم عليه بإغوائهم من قولك فتن فلان على فلان امرأته كما تقول أفسدها عليه والوجه الثاني : أن تكون الواو في قوله : وَما تَعْبُدُونَ بمعني مع كما في قولهم كل رجل وضيعته، فكما جاز السكوت على كل رجل وضيعته، فكذلك جاز أن يسكت على قوله :
فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ لأن قوله : وَما تَعْبُدُونَ ساد مسد الخبر، لأن معناه فإنكم مع ما تعبدون، والمعنى فإنكم مع آلهتكم أي فإنكم قرناؤهم وأصحابهم لا تتركون عبادتها، ثم قال تعالى : ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ أي على ما تعبدون بِفاتِنِينَ بباعثين أو حاملين على طريق الفتنة والإضلال إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ مثلكم. وقرأ الحسن صالِ الْجَحِيمِ بضم اللام ووجهه أن يكون جمعا وسقوط واوه لالتقاء / الساكنين، فإن قيل كيف يستقيم الجمع مع قوله : مَنْ هُوَ قلنا (من) موحد اللفظ مجموع المعنى فحمل هو على لفظه والصالون على معناه.
المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه لا تأثير لإغواء الشيطان ووسوسته، وإنما المؤثر قضاء اللّه تعالى وتقديره، لأن قوله تعالى : فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ تصريح بأنه لا تأثير لقولهم ولا تأثير لأحوال معبوديهم في وقوع الفتنة والضلال، وقوله تعالى : إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ يعني إلا من كان كذلك في حكم اللّه وتقديره، وذلك تصريح بأن المقتضى لوقوع هذه الحوادث حكم اللّه تعالى، وكان عمر بن عبد العزيز يحتج بهذه الآية في إثبات هذا المطلوب، قال الجبائي : المراد أن الذين عبدوا الملائكة يزعمون أنهم بنات اللّه لا يكفرون أحدا إلا من ثبت في معلوم اللّه أنه سيكفر، فدل هذا على أن من ضل بدعاء الشيطان لم يكن ليؤمن باللّه لو منع اللّه الشيطان من دعائه وإلا كان يمنع الشيطان، فصح بهذا أن كل من يعصي لم يكن ليصلح عنه شيء من الأفعال والجواب : حاصل هذا الكلام أنه لا تأثير لإغواء شياطين الإنس والجن. وهذا لا نزاع فيه إلا أن وجه الاستدلال أنه تعالى بين أنه لا تأثير لكلامهم في وقوع الفتنة، ثم استثنى منه ما في قوله تعالى : إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ فوجب أن يكون المراد من وقوع الفتنة هو كونه محكوما عليه بأنه صال الجحيم، وذلك تصريح بأن حكم اللّه بالسعادة والشقاوة هو الذي يؤثر في حصول الشقاوة والسعادة. واعلم أن أصحابنا قرروا هذه الحجة بالحديث المشهور وهو أنه حج آدم موسى، قال القاضي هذا الحديث لم يقبله علماء التوحيد، لأنه يوجب أن لا يلام أحد على شيء من الذنوب، لأنه إن كان آدم لا يجوز


الصفحة التالية
Icon